«عن قريب يضل هذا الرجل ضعفاء العوام».. بتلك العبارة وصف وزير الدولة السلجوقية «نظام الملك» الحسن الصباح، مؤسس جماعة الحشاشين التى تخصّصت فى الاغتيالات السياسية، وهو أول من استخدم الحشيش لترويض أتباعه، ودفعهم إلى القيام بالعمليات الانتحارية. لا يستطيع أحد أن يقرر على وجه الدقة هل عرف «الصباح» الحشيش فى مصر -التى زارها أواخر العصر الفاطمى- أم فى غيرها من البلاد. فى كل الأحوال يذهب المؤرخون إلى أن الحسن الصباح اعتمد على مخدر الحشيش فى السيطرة على أتباعه الذين تكوّنت منهم «فِرق الموت»، لتشكل أداة للاغتيال السياسى. يظهر ذلك واضحاً فى قصة اغتيال الوزير «نظام الملك» على يد واحد من «الحشاشين».
كان موقع «نظام الملك» لدى السلاطين السلاجقة مكيناً، فمكث فى موقع الوزير الأعظم تسعاً وعشرين عاماً، وانتشر أبناؤه وأحفاده فى أخطر المناصب والمواقع داخل الدولة. كان الرجل وزيراً محنّكاً وعسكرياً قديراً، ولو صحّت العبارة التى نسبت إليه وقال فيها عن الحسن الصباح: «قريباً يضل هذا الرجل ضعفاء العوام»، فإنها تنهض كدليل على ما تمتّع به من فراسة وقدرة عالية على قراءة الشخصيات وتحليلها. وقد كانت هذه العبارة مدخلاً لاتهام «الحسن الصباح» باغتياله، من منطلق أن الأخير أراد الانتقام منه، لأنه كان سبباً فى خروجه من بلاط الحكم السلجوقى. ومن الطبيعى جداً أن يغار أى شخص يتمتع بالطموح السياسى الذى تمتع به الحسن الصباح من شخصية فى حجم «نظام الملك» الذى حظى بمنزلة كبيرة لدى السلاطين السلاجقة، ولم يكن بمقدور أى منهم الاستغناء عنه، ورغم ذلك فإننا لا نستطيع أن نحسم بشكل قاطع أن فرق الاغتيال التابعة لـ«الحسن الصباح» هى المسئول الأول عن اغتياله.
يحكى «ابن كثير» أن «نظام الملك» اغتيل على يد صبى ضربه بسكين فى فؤاده وهرب. وأشار «ابن الأثير» -فى الكامل فى التاريخ- صراحة إلى أن من نفّذ عملية الاغتيال فى «نظام الملك» هو صبى من الباطنية، ويقول فى ذلك: «بعد أن فرغ من إفطاره، وخرج فى محفته إلى خيمة حرمه -يقصد نظام الملك- أتاه صبى ديلمى من الباطنية، فى صورة مستميح، أو مستغيث، فضربه بسكين كانت معه، فقضى عليه وهرب، فعثر بطنب خيمة، فأدركوه فقتلوه، وركب السلطان إلى خيمته، فسكن عسكره وأصحابه».
وربما كانت تلك الإشارة إلى أن الصبى الذى اغتال «نظام الملك» من «الباطنية»، هى التى برّرت للبعض الذهاب إلى أن «الحسن الصباح» هو من خطط وأشرف على تنفيذ عملية اغتيال نظام الملك، على أساس أن الصبى كان من الباطنية، ووصف الباطنية كان أحد الأوصاف التى ينعت بها أتباع المذهب الإسماعيلى، كما أن الطريقة التى اغتيل بها الوزير، والتى تستند إلى الحيلة والغيلة فى التخلص منه تؤشر أيضاًً إلى أن قاتله ينتمى إلى فرق الاغتيال بقلعة «آلموت»، لكن كتب التاريخ تحكى -فى المقابل- أن أصل اغتيال «نظام الملك» ارتبط بإحساس السلطان السلجوقى بالغضب جراء تمدّد نفوذه بالدولة، بعد أن أحكم قبضته عليها من خلال تعيين أبنائه وأحفاده فى مواقع الوزارة والحكم.. وثمة سؤال على هامش هذا الموضوع: هل ثمة علاقة بين المذهب الباطنى وتسمية حى «الباطنية» بالقاهرة بهذا الاسم، خصوصاً أنه نشأ فى العصر الفاطمى، واشتُهر فى ما بعد بتجارة الحشيش؟.