كما أشرت فى المقال السابق، جاء مؤتمر وارسو الذى استضافته بولندا الأسبوع الماضى تلبية للأهداف الأمريكية والإسرائيلية بالدرجة الأولى، فقد خرج المؤتمر بنتائج مُرضية لإسرائيل والعرب أيضاً، فمن جانبٍ شعرت إسرائيل بهذا الدفء العربى طالما يصب المؤتمر فى مصلحة إنهاء الخطر الإيرانى العدو المشترك للطرفين، ومن جانب آخر طمأنة الحلفاء العرب على أن الولايات المتحدة حريصة على أمنهم واستقرارهم. وقد كشف رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو عما سمعه من مواقف لممثلى الدول العربية، فقال على حسابه الرسمى فيس بوك: «شاهدنا مؤخراً فى وارسو شيئاً مذهلاً، حيث حضر المؤتمر الذى عقد هناك 64 وزيراً، وممثلون عن 60 دولة بما فيها الدول العربية، وصعد إلى المنصة ممثلو الدول العربية، وتحدثوا عن إيران التى تشكل الخطر الأكبر»، وأضاف نتنياهو أن العرب تحدثوا عن إيجاد حلول للمشاكل فى الشرق الأوسط، وقالوا نعم نريد أن نحل المشكلة الإسرائيلية - الفلسطينية، ولكن لا يمكن حلها إلا إذا قمنا بصد العدوان الإيرانى، وهذا سيحدث فارقاً كبيراً فى مواقف الدول العربية.
لقد مثّل المؤتمر الذى قدم فكرته وأشرف على إعداده رئيس لجنة مراقبة نشاط إيران بوزارة الخارجية الأمريكية السفير «بريان هوك» مناسبة لجمع مسئولين عرب وإسرائيليين علناً تحت عنوان مواجهة الخطر الإيرانى، واللافت أنه فى حين كان تمثيل دول عديدة منخفضاً فى المؤتمر، فإن حضور الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية كان أكثر!، لذا يعد تحقيق تقارب بين العرب وإسرائيل هدفاً رئيسياً وجزءاً من جهود واشنطن لإنشاء تحالف إقليمى لمواجهة إيران، أو لاستغلال التلويح بالخطر الإيرانى لتنفيذ أجندات أمريكية - إسرائيلية، بدأ العمل عليها فعلياً عبر فكرة إنشاء تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجى أو ما يسمى بـ«الناتو العربى» ويضم دول الخليج بالإضافة إلى مصر والأردن، على أن يواكب ذلك تنسيق عربى - إسرائيلى بهذا الخصوص، ولا يخفى أن هدف الولايات المتحدة من عقد هذا المؤتمر هو إنشاء تحالف دولى للضغط على إيران ودفعها للقبول بشروطها والتفاوض معها من جديد وفق شروطها الجديدة.
أما لماذا وارسو؟ فيعود اختيار الولايات المتحدة للعاصمة البولندية لعقد مؤتمر هدفه الرئيسى مواجهة إيران لأسباب عدة، أهمها: أن واشنطن باختيارها العاصمة البولندية وارسو ترسم خطوطاً جديدة لتقسيم القارة الأوروبية بين حلفاء جدد تابعين لها ومتماهين مع سياساتها الإقليمية والدولية، فضلاً عن حلفاء قدامى لديهم سياسات أكثر استقلالاً عنها فى غرب أوروبا، كما أن اختيار وارسو مكاناً، يدل على مدى ارتهان بولندا للسياسة الأمريكية بعد أن أصبحت تعتمد عليها كلياً فى الدفاع عن نفسها فى مواجهة ما تعتبره تهديدات روسية، بالإضافة إلى عدم وجود حماسة أوروبية لعقد مؤتمر مخصص لمواجهة إيران، فظهرت وارسو على أنها الخيار الأمثل.
إن فشل الولايات المتحدة الأمريكية فى حشد تأييد كبير، خاصة بين حلفائها الأوروبيين، لمؤتمر تحت عنوان «مواجهة إيران» أدى إلى توسيع عدد القضايا التى يعالجها لتشمل عملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية، والأزمات الإنسانية فى سوريا واليمن والأمن السيبرانى والإرهاب والتطرف، وغيرها من الملفات، ومع ذلك قررت دول أوروبية عديدة خفض مستوى تمثيلها، فى حين قاطعته المفوضية العليا للشئون الخارجية والأمن فى الاتحاد الأوروبى، لأن الاتحاد الأوروبى ما زال متمسكاً بالاتفاق النووى الإيرانى، خاصة الدول الأطراف فيه وهى فرنسا وبريطانيا وألمانيا.
كان لافتاً أن المؤتمر لم ينبثق عنه أى سياسات جديدة ضد إيران، لكنه تحول إلى محاولة لرفع الحرج عن الأطراف العربية الساعية للتطبيع مع إسرائيل، وبالتالى تحول إلى مدخل يسمح باستمرار العمل على إنشاء تحالف عربى - إسرائيلى بحجة مواجهة إيران!.