لا أجد أى غضاضة فى أن يعلن السيد حمدين صباحى رغبته فى الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، ولا أجد أيضاً أى غضاضة فى أن يحكم مصر رئيس ذو خلفية عسكرية، والإشارة هنا إلى الفريق أول عبدالفتاح السيسى. فالأول قبل أى شىء مواطن له كل الحقوق المنصوص عليها فى الدستور ولا يستطيع أحد أن يمنعه من ممارسة هذا الحق إن أراد وتحمل العواقب. والثانى أيضاً مواطن مصرى ارتبط بمؤسسة عظيمة وإذا أراد أن يدخل معمعة السياسة وإدارة البلاد وفقا للدستور الجديد عبر ترشحه للرئاسة بعد ترك منصبه العسكرى فهذا أيضاً حقه الدستورى، وعليه أن يتحمل النتائج. والفيصل فى الحالتين هو الشعب وإرادته الحرة.
لا يستطيع أحد أن يلغى بجرة قلم تاريخ هاتين الشخصيتين، أو من خلال تصريحات نارية ضدهما أو ضد أحدهما، ومهما كان نقدنا أو تحفظنا على أيهما أو على الاثنين معا، فلكل منهما بصمة بشكل أو بآخر على المشهد السياسى الراهن، فـ«صباحى» له دور لا يُنكر قبل وبعد 25 يناير، وقيادته للتيار الشعبى ودوره فى إطار جبهة الإنقاذ، خاصة قبل 30 يونيو من أجل إسقاط نظام الإخوان، معروف للكافة. أما الفريق «السيسى» فهو القائد العسكرى المحبوب لدى المؤسسة العسكرية ولدى قطاع عريض جدا من الشعب المصرى، وله نصيب كبير من الحب والاحترام لدى شعوب عربية أخرى، ودوره فى حماية مصر والمصريين والانحياز للإرادة الشعبية الساحقة فى مواجهة نظام الإخوان هو دور تاريخى بكل المقاييس، وهو الأمر الذى يجعله فى نظر غالبية ساحقة مؤهلا لقيادة البلاد ورمزا للاستقرار والانطلاق نحو المستقبل.
كذلك لكل منهما فريق يؤيده ويسعى إلى أن يكون هو القائد المنتظر. بالطبع هنا يوجد فارق كبير بين نوعية المؤيدين لكل طرف وحجمهم فى المجتمع ومدى انتشارهم فى الفئات الاجتماعية المختلفة عبر ربوع مصر. ومع ذلك فلا يستطيع فريق أن يتجاهل وجود الفريق الآخر أو يخرجه من المعادلة السياسية عبر التصريحات النارية أو التشويه المعنوى أو افتعال أزمات لا معنى لها. وفى هذا السياق يجب رفض كل العبارات غير اللائقة التى قيلت بحق «صباحى»، وكل ما قيل بشأن عدم نضجه السياسى، مع إقرارنا بأن تجربة «صباحى» السياسية هى تجربة ناشط سياسى مخضرم لم يمارس قيادة العمل الحكومى أو الانتساب إلى إحدى المؤسسات الأساسية للدولة المصرية، وإن كانت لديه رؤية سياسية عامة لمستقبل مصر كالتى طرحها أثناء حملته الانتخابية للرئاسة صيف 2012، فتظل رؤية لم تُختبر بعد، وتستند إلى شعارات ومبادئ عامة تحتاج إلى المزيد من التفاصيل والمزيد من الدراسات المعمقة المرتبطة بواقع مصر الفعلى، وأين يتم شرحها للمصريين. وأعتقد أن الجهد المبذول فى هذا الأمر يكاد يكون معدوما، أو ربما غير ظاهر بما يكفى للحكم عليه.
كما يجب رفض بل وإدانة كل ما قاله منتسبون للتيار الشعبى فى بيانهم الشهير بأن ترشح الفريق «السيسى» للرئاسة يعنى أو يمثل سعيا من الجيش المصرى لحكم البلاد، ويؤسس لحكم عسكرى. ففى ذلك خلط كبير للمعايير وافتعال بطولات بلا أساس وتشويه لدور الجيش الذى نعلم جميعا أن كل فرد فيه من أبنائنا وإخوتنا يضحون بأرواحهم من أجل كل المصريين. كما نعلم أيضاً أن تكوين الجيش المصرى وعقيدته العسكرية تحول دون السيطرة على الحياة السياسية فى البلاد، فهو جيش محترف ومقاتل قبل أى شىء آخر. وإن ترشح الفريق «السيسى» بعد ترك موقعه العسكرى، سيكون قرارا فرديا بالدرجة الأولى، ولا تثريب فى ذلك على الجيش من بعيد أو قريب. فهو جيش الوطن والمصريين جميعا وسيظل كذلك. ومن المنطقى أن ننتظر برنامجا سياسيا واقتصاديا شاملا من الفريق، إن قرر الترشح للرئاسة، ولكن لا يمكن لنا أن نطالبه بإعلان مثل هذا البرنامج قبل أن يترك موقعه العسكرى. والمؤكد أن الثقة والمشاعر الجياشة التى يعبر عنها المصريون تجاه الفريق هى عنصر إيجابى وتدعم فكرة الاستقرار الشعورى والمزاجى للمصريين، إن ترشح الفريق، ولكنها بحاجة أيضاً إلى أن تُترجم إلى أسلوب حياة وعمل، أكبر بكثير من مجرد مؤتمرات أو مظاهرات أو اعتصامات لمطالبة الفريق بالترشح. فالمطلوب قدر عالٍ من الانضباط المجتمعى والسلوكى العام، وقدر أكبر من الإنتاج، وقدر أكبر من الاستعداد الجمعى لبذل التضحيات وبما يغرى الفريق أكثر لقبول الترشح فى اللحظة المناسبة.
وبما أن مصر فى بداية مشهد سياسى جديد تماما، سوف تتعلم فيه معنى الديمقراطية ومعنى الاختلاف وتقبله وضرورة التعددية واحترامها، وأن القرار بيد الشعب، فسوف نشهد الكثير من الصعود والهبوط والكثير من المنحنيات العملية التى كنا نراها ونسمع عنها فى بلدان أخرى. الآن بات علينا أن نعد أنفسنا لمثل هذه المشاهد المتقبلة.
بناء على ما سبق أعتقد أن الجدل العام حول تصريحات السيد حمدين صباحى لإحدى الفضائيات بشأن كونه المرشح الوحيد الآن على الساحة لمنصب الرئيس هو نوع من الاستهلاك الدعائى غير الموفق، خاصة فى هذه اللحظة التى لم يحسم فيها الرئيس عدلى منصور بعد ما هى الانتخابات التى ستكون الأولى وأيها ستكون الثانية. وأعتقد أيضاً أنه من غير الموفق أن يعلن أحد ترشحه للانتخابات الرئاسية ولم يتحدد موعدها بعد. هذا على الصعيد الإجرائى الشكلى البحت، أما على الصعيد المضمونى فالمسألة ليست الترشح لحدث عظيم كالانتخابات الرئاسية، وإنما فى ثلاثة أمور متكاملة، وهى البرنامج السياسى الذى يقدمه المرشح للشعب، والثانى حجم الشعبية فى الشارع والمجتمع بكل طوائفه وطبقاته واتجاهاته، والثالث مدى خبرة المرشح بالنسبة لإدارة شئون الدولة. والمؤكد هنا أن أيا من هذه العناصر لا يكفى وحده للترشح لأهم منصب فى الدولة.
ولكى يعلم المرشح مدى كفاءته لخوض هذا الاستحقاق المهم، فعليه أن ينظر لنفسه جيدا مقارنة بالآخرين وبحظوظهم المباشرة فى خوض هذا السباق الخطير. ولا بأس من الانسحاب لمهمة أو مناسبة أخرى إن لم تكن نسب النجاح والتوفيق مرجحة بقوة. ومن الواضح أن الفريق «السيسى»، إن قبل خوض هذا المعترك الصعب، يتمتع بحظوظ كبيرة للغاية مقارنة بأى مرشح آخر، تصل به إلى سدة الرئاسة بأقل جهد ممكن. ولنترك القرار للشعب.