هل يعقل أن أسارع إلى خلع السلسلة التى تحمل عبارة «الله أكبر» التى أسافر بها دائماً؟! أو أن أتحاشى النطق بأية عبارة مثل «إن شاء الله» أو «ما شاء الله» أو «لا حول ولا قوة إلا بالله»، وإن فعلت أنظر حولى لأتأكد أن أحداً لم يسمعنى؟! أو أن ينتابنى شعور بالقلق حين تنادى موظفة شركة الطيران الأمريكية اسمى خوفاً من أن يكتشف الركاب أننى مقبلة من هذا الجزء من العالم الذى صدّر «داعش» وأفكارها وجنونها إلى العالم؟!
ربما يعتبرها البعض مبالغة أو مغالاة، لكن المشاعر كانت حقيقية والمخاوف كانت فى محلها، فشاشات التليفزيون فى كل ركن من أركان المطار الصغير فى هذه المدينة الصغيرة من مدن الولاية الهادئة فى جنوب شرق الولايات المتحدة الأمريكية تنطق بما فعله الأوزبكى المهاجر عبر برنامج التنوع أو «يانصيب البطاقة الخضراء» بحثاً عن حياة أفضل فى البلد الذى ينظر إليه أقرانه باعتباره معقل الشرور وأصل الآثام.
شريط الأخبار الراكض أسفل الشاشة، بالعلامة الحمراء الكبيرة التى تنبئ أن خبراً عاجلاً -على الأرجح كارثة أو مصيبة- قد ورد لا يتوقف عن تكرار عبارة «الله أكبر» ومعناها بالإنجليزية، وبين كل خمس دقائق وأخرى تصر المذيعة أن تنوه عن الخبر العاجل، حيث قام السيد سيف الله سيبوف بدهس حشود من المارة وراكبى الدراجات الهوائية فى مانهاتن فى نيويورك، ثم خرج من الشاحنة المستأجرة، وهتف «الله أكبر»! God is Magnificent، وتتكرر العبارة مراراً وتكراراً، وفى كل مرة أتلفت حولى، يهيأ لى أن عيون بعضهم ترمقنى، فشكلى شرق أوسطى، صحيح أن الرجل أوزباكستانى، لكن «داعش» تظل عربية المنشأ و«إسلامية» العقيدة.
دعك من ترهات «لا يمثل الإسلام» و«إسلامنا الوسطى الجميل برىء منه» و«المتطرفون شىء والمسلمون شىء آخر تماماً»، ففى مثل هذه الأحوال لا يسع المرء المزنوق مثلى إلا الشعور بالقلق، مجرد ترجمة هذه المبررات السمجة للإنجليزية تجعلها أكثر سماجة، وأجد نفسى أسألنى بكل حسم وشدة: ولماذا أيتها المسلمة الوسطية الجميلة لا تجددون أو تحدثون تفسيراتكم الدينية التى ألقت بكم فى التهلكة وطردتكم من أوسع أبواب التاريخ؟! ولماذا لا تضغطون أيتها المسلمة اللطيفة على نظام الحكم لديكم لتفصلوا الدين عن الدولة فصلاً بائناً لا رجعة فيه؟! ولماذا لا تفرقون تفرقة حقيقية عملية وليست وهمية كلامية بين التطرف والدين؟!
أسئلتى المطروحة على نفسى لم تجد إجابة سوى الإجابات السفسطائية العاطفية المشحونة بكم هائل من الكلمات المجعلصة الرنانة التى لا تعنى شيئاً بالضرورة فهى خاوية الإطار لا تسمن أو تغنى من جوع.
جوع البعض من المسلمين لتنقية ما علق بدينهم من أتربة وجهالات واستلابات من قبل رجال وجماعات خطفت الدين وغسلت عقول أجيال عدة بات جوعاً مؤلماً موجعاً، فـ«القائمون على أمر الدين رسمياً» يرفضون رفضاً قاطعاً أى زحزحة أو حلحلة، و«القائمون على أمر البلاد» يستشعرون الحرج جراء بذل المزيد من الضغط على القائمين على الأمر دينياً بعد ما دأبوا رفضاً وململة غير مرة، أما القواعد العريضة من الشعب فهى لا تجد ما تتعلق به فى دنياها سوى التوابل الدينية، نكاح، حور العين، دخول حمام بالرجل الشمال، دعاء ركوب المصعد، نجاة من الأخطار بلصق الشهادة على زجاج سيارة غير مرخصة، نكاح بهائم، مضاجعة أموات، والقائمة طويلة جداً.
وتمضى ساعات الانتظار فى المطار، التى أضاف تأجيل الطائرة غير مرة مزيداً من الضغط العصبى والنفسى، بطيئة مقلقة، فالأخبار تتواتر عن ترامب والدعوة إلى إيقاف العمل بنظام «اللوتارى».