وعن النبى داود الذى خاض فيه العهد القديم خوضاً غليظاً، وأساء إليه أبلغ إساءة، يتحدث القرآن عنه بأنه الأواب صاحب الفضل والأيدى، وأن الله سبحانه وتعالى قد آتاه «زبوراً». «وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ» (ص17).. «وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً». (الإسراء55).. «وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِى بِأَمْرِهِ» (الأنبياء81).. «وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً» (النمل 15).. ويخاطب القرآن الكريم الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقول له ربه: «إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً. وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً».. (النساء 163، 164).. ويخاطب القرآن المسلمين فيوصيهم: «قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» (البقرة 136، آل عمران 84).
ذكر السيد المسيح عليه السلام بأنه بُعِثَ إلى خراف بيت إسرائيل الضالة، ليهديهم إلى ملكوت السماء، فشنفوا له وتآمروا عليه ونكلوا به وعذبوه وأهانوه ودبروا لقتله، انتهاءً بمأساة الصلب بغض النظر عن شخص المصلوب، هل هو ذات شخص السيد المسيح كما تؤمن المسيحية، أم أنه شخص آخر شُبِّه على اليهود أنه هو، وأن الله تعالى أنقذه منهم ورفعه إليه.. ولم يتحدث كتاب من الكتب السماوية عن زكريا ويحيى ومريم والمسيح بمثل الحديث البليغ الرائع الذى ورد عنهم فى القرآن الكريم «إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّى نَذَرْتُ لَكَ مَا فِى بَطْنِى مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّى إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ0 هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء 0 فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى فِى الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِياً مِّنَ الصَّالِحِينَ» (آل عمران 35-39).. «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ» (آل عمران 42).. «إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ. وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ».. (آل عمران45 ، 46).. «وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإنجِيلَ» (الحديد 27).. «إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ».. (النساء 171).. «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِه بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» (البقرة 87، 253).. والمسيح فى القرآن الحكيم أعز من أن يُقتل أو يناله ما ينال البشر، فيقول القرآن «إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّى مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ» (آل عمران 55).. وعمن افتروا من بنى إسرائيل كذباً على مريم والمسيح كذباً، قال عنهم القرآن الكريم: «وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً. وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً. بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً» (النساء 156 - 158).
هذا الاحتفال فى الذكر الحكيم بأنبياء الله، قد انحفر فى وجدان المسلمين، فلا تجد أبناء ديانة من الديانات يوقرون الأنبياء جميعاً مثلما يوقرهم المسلمون.. ولا تجد من أبناء هذه الديانات أو الملل والنحل من يسمون أبناءهم بأسماء الأنبياء مثلما يفعل المسلمون.. فمن أسماء المسلمين التى درجوا عليها منذ نزل الإسلام نوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، وإسحق، ويعقوب، ويوسف، وعيسى، وموسى، ويحيى، وشعيب، وأيوب، وهارون، وزكريا، ومريم.. وهذا الاحتفال بالنبوات والرسالات والأنبياء، هو صدى حقيقى وعميق لسماحة وعالمية الإسلام الذى استوعب كل هذه الرسالات وأتى بالدين الخاتم الذى شمل فى حناياه ما أتت به باقى الرسالات وقدم للإنسانية الدين الشامل الذى يتسع للبشر جميعاً وللناس كافة.. فالرسل فى شرعة الإسلام فروع شجرة واحدة وبناة بيت واحد يؤسس السابق للاحق ويكمل اللاحق ما سبق إليه السالف، لذلك كان من «عالمية الإسلام» وعناصر «العالمية» وموجباتها فيه، أن قرآنه المجيد أمر بالإيمان بجميع الرسل وما أنزل إليهم جميعاً، فقال سبحانه وتعالى فى تعريف المؤمنين «والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ..» (البقرة 4، 5).. ولأن الرسالة المحمدية هى الرسالة الخاتمة، فإنها أرشدت إلى ما تكمل به الإنسانية فى عالم الروح والمادة، وعمم الخطاب فيها للناس كافة بلا تفرقة لجنس أو لون أو عصبية أو جاه أو سلطان.. وإنما العبرة بالتقوى والعمل الصالح.. «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ».. (الحجرات 13).
اللغو العنصرى الآتى من وراء العقل!
لا أكتب هذه السطور لمناقشة اللغو الباطل والتافه الذى يطالب بحذف آيات من القرآن الكريم، والذى جاء فى دعوة عنصرية بغيضة، مدفوعة بالسامية، واستسلم لها شخصيات وقعوا فى حبائلها ووقعوا عليها، من بينهم «ساركوزى» الرئيس الفرنسى السابق، وشخصيات ما بين مسئولين سابقين، ومغنين ومطربين، ومنافقين ومداهنين باعوا دينهم تلمساً لاستجلاب الرضا وطلب العيش، حتى ولو كان فى مذلة وهوان!!
الدعوة لحذف آيات من القرآن الكريم لغو فى لغو فى لغو، يكفى فى دحضها أن كاتبها لم يلم بالقرآن، وأَخَذَ بما لا يؤخذ به فى فهم أحكامه، وغاب عنه أصول البحث وإخلاص النظر، ولا يعنينى مناقشته فى بطلان وسفاهة وتفاهة وتخاذل ما ادعاه، لأن الدعوة برمتها دعوةٌ جهولة لاغية، لا قيمة ولا طحن لها، ومأربها الحقيقى الانتصار للصهيونية تحت مسمَّى شجب معاداة السامية.
وسنرى كيف أن الإنسانية فى القرآن الكريم أسرة واحدة، وأن مصير الإنسان معلق بعمله لا بعرقه!