لم ينجب الشيخ أحمد الرفاعى ذكوراً كما أشرت، كما أنه لم يزعم أنه صانع طريقة أو صاحب نهج، لكن أحد أحفاده تولى مهمة بناء ومأسسة الطريقة الرفاعية بالنيابة عنه. هذا الحفيد هو عزالدين أحمد بن زينب بنت أحمد الرفاعى الكبير، الملقب بـ«الصياد». وقد عاش فى مصر مدة من الزمن، وأحاط به المصريون، وتزوج سيدة مصرية، قبل رحيله إلى الشام، وأنجب منها ولده على أبوشباك الذى عاش ومات بالقاهرة ودفن بمقره الحالى بمسجد الرفاعى بمنطقة القلعة. وهو صاحب المولد الحالى بالقاهرة، حيث يحتفل المصريون بالجد فى شخص «ابن الحفيد».
داخل مسجد الرفاعى بالقاهرة يرقد جثمان السيد على شباك بن عزالدين الصياد حفيد الشيخ أحمد الرفاعى، وبذا يكتمل مثلث الرفاعية، حيث يرقد الشيخ الكبير فى العراق، ويرقد الحفيد المؤسس للطريقة بالشام ببلدة «متكين»، وابن الحفيد فى القاهرة. مؤكد أن المصريين يحتفلون فى مولد الرفاعى بالجميع، ويحيون ذكرى هذه الأسرة التى اختلطت سيرتها بالعديد من الأساطير التى بدأت مع الرفاعى الكبير الذى يحكى البعض أن النبى صلى الله عليه وسلم مد له يده الشريفة من قبره كى يسلم عليه، ثم تواصلت مع الحفيد الذى يزعم البعض أنه كان صائداً للأسود، وانتهت مع ابن الحفيد على شباك الذى لقب بهذا اللقب، لأنه كان دائب الوقوف وهو طفل على شباك بيته حتى ينظر لأبيه، فى حين كان أبوه قد هاجر يومئذ إلى الشام!.
إنها حكاوى وأساطير تطرب العامة وتستثير خيالهم. البسطاء يحبون المعجزات، وهم فى ذلك متسقون مع أنفسهم، فإذا نظروا إلى حياتهم، وتفكروا فيما يواجههم فيها من مشكلات، مهما كانت بساطتها، وجدوا أنفسهم فى حاجة إلى معجزة، حيث تشح فى أيديهم أسباب الحل. وهكذا يتقاطرون فى كل عام إلى حى القلعة حيث يقبع مسجد الرفاعى، وبداخله قبر السيد على شباك احتفالاً بالمولد، وإحياءً لذكرى الرفاعية صائدى الثعابين. وظنى أن الحضور القوى للحيات والثعابين فى السيرة الرفاعية يحمل دلالة رمزية وظلالاً توراتية ترى فى الأفاعى عدواً تاريخياً للإنسان، وربما حمل لدى العامة أيضاً دلالة رمزية على من يسممون حياتهم ويمررون عيشهم، فيكون اللجوء إلى الرفاعية وتلاوة «عهد الرفاعى» كوسيلة لحمايتهم من ناب الأفاعى.
مسجد الرفاعى فى الأصل كان عبارة عن زاوية صغيرة، يوجد بها مرقد الشيخ على شباك، ويعود الفضل فى بنائه إلى والدة الخديو إسماعيل «خوشيار هانم»، وبدأت رحلة تشييده أواخر القرن التاسع عشر، ونهض كبناء كامل أوائل القرن العشرين. وبداخله شيدت خوشيار هانم مقابر الأسرة المالكة فى مصر ما قبل الثورة، فدفنت فيها بعد وفاتها، ودفن فيها أيضاً الخديو إسماعيل، والسلطان حسين كامل، والملك فؤاد، والملك فاروق. والأخير مات كما تعلم فى روما وأوصى بأن يدفن فى مصر، وهو أمر رفضه الرئيس جمال عبدالناصر حينذاك، بعدها تدخل الملك فيصل حتى يسمح «ناصر» بدفن «فاروق» بالقاهرة، تنفيذاً لوصيته، وبعد لأى وافق الرئيس على ذلك بشرط أن يدفن فى جامع إبراهيم باشا، وليس فى مسجد الرفاعى، وهو ما حدث بالفعل، فتم تشييع جثمانه بعد منتصف الليل ليدفن فى جامع إبراهيم باشا. وظل يرقد هناك حتى قرر الرئيس السادات فيما بعد نقل رفاته إلى مسجد الرفاعى، حيث كانت المحطة الأخيرة لجثمان فاروق، ليرقد إلى جوار أبيه وجده.
وهكذا لم يكن مسجد الرفاعى مجرد وجهة يهفو إليها الفقراء والبسطاء من «رفاعية» مصر، من كل محافظات القُطر، بل كان مقصداً أيضاً للملوك والسلاطين والأمراء والخديوية.. فى المسجد خديو هو إسماعيل، وسلطان هو حسين كامل، وملكان هما فؤاد وفاروق.. وسبحان من له الدوام.