الضجة التى حدثت يوم الأربعاء الماضى تستحق أن نتوقف أمامها كثيراً.. أما السبب فكان تنفيذ حكم الإعدام فى تسعة من المتهمين فى قضية اغتيال النائب العام، وأما الضجة فكان سببها انخداع الكثيرين بكلام مزيف انتشر على موقع «فيس بوك»، وكانت خلاصته أن المدانين التسعة فى قضية اغتيال النائب العام أبرياء، وأن هناك متهمين آخرين فى القضية لم تتم محاكمتهم أو القبض عليهم.
بالنسبة لى، كان ذلك مؤشراً على حالة من الغموض إزاء القضية أولاً، وإزاء الأبحاث والدراسات التى تتناول جماعة الإخوان المسلمين ثانياً، فضلاً عن حالة من السذاجة والاستسهال فى إصدار الأحكام أصبحت تميز جمهور مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى بشكل عام.
على مستوى الدراسات والأبحاث المتخصصة، ثمة غياب حاد للدراسات التى تتناول واقع جماعة الإخوان المسلمين بعد ثورة ٣٠ يونيو، والتطورات التى طرأت داخلها، وتيارات وأفكار العنف التى أقدم كثيرون من أعضائها على الانخراط فيها، والتمايزات بين الذين أعلنوا صراحة عن تبنيهم لأفكار العنف، وبين الآخرين الذين أعلنوا تمسكهم بما اعتبروه (خياراً إصلاحياً)، وما نتج عن ذلك من ظهور اللجان النوعية بقيادة محمد كمال، رئيس المكتب الإدارى للجماعة فى أسيوط، الذى نظَّر لاستخدام العنف وأصدر كتاباً باسم مستعار هو (ضياء الدين أسد)، حمل اسم (فقه المقاومة الشعبية)، وهى الفكرة التى تطورت من خلال قضية اغتيال النائب العام حيث انخرط المتهمون فى القضية فيما سمّوه (اللجان النوعية المتقدمة)، ودبروا لعدد من حوادث الاغتيال كان من مجريات القدر أن تنجح أولاها، وأن ينجح مجموعة من الطلاب فى جامعة الأزهر فى اغتيال النائب العام بدعوى أنه صاحب قرار فض اعتصام رابعة.
إننى أستند فى بعض معلوماتى هنا لتحقيق استقصائى نشره موقع «مدى مصر»، ولا أعرف هل الموقع مناوئ للدولة المصرية أم لا، ولكننى أعرف أنه لو كان كذلك فإن الحق ما شهدت به الأعداء.
لا يمكن فهم القضية دون فهم دور يحيى موسى، الطبيب ومسئول الإخوان بجامعة الأزهر الذى قرر تبنى اختيار الاغتيال وحصل من الجماعة على تمويل يقترب من 200 ألف دولار، أرسلها لدائرة لصيقة به، منهم زميلته فى الجامعة بسمة عرفات موسى التى تولت تسلم الأموال وتوصيلها للمتهمين، وزوجها وهو عقيد جيش متقاعد تولى حمل المتهمين بسيارته إلى مكان تنفيذ الجريمة، فى حين تقول أوراق القضية إن المتهم الأول فى القضية (محمود حجازى) قد حصل على دورة فى تصنيع المتفجرات فى غزة، وإن أسباباً سياسية حالت دون ضم متهمين من حركه حماس للقضية.
إن القضية تحتوى على عدد من الأدلة الملموسة بخلاف اعترافات المتهمين، التى ادعى أولهم والرئيسى فيهم أنها تمت تحت ضغط، منها أن الكاميرات العامة قد صورت أحد المتهمين مرتين وهو ينهى إجراءات شراء السيارة التى استخدمت فى التفجير والتى كان تتبّعها أحد مفاتيح القضية، ومنها أيضاً أن شقيق المتهم الرئيسى فى التفجير احتفظ بالريموت المستخدم فى التفجير فى ميداليته ولم يتخلص منه كذكرى للانتصار، وبالتالى كان هناك دليل مادى آخر على الجريمة.. أما تحليل وصايا المتهمين فيكشف عن تبنيهم الخيار الإرهابى (الجهادى) كاختيار فكرى، وهو نفس ما يكشفه البيان الأخير لجماعة الإخوان.
والخلاصة:
إن مزيداً من الجدية فى البحث والفهم قد يكشف للناس الكثير مما ظل خافياً عنهم، ولا أحد يعرف لماذا ظل خافياً حتى الآن.