ما زالت كليات الحقوق فى بلادنا تعتمد على المحاضرات النظرية فى تدريس المواد القانونية، دون أن تشهد طريقة التدريس أى محاولة للتطوير منذ نشأة أول مدرسة للحقوق فى القرن التاسع عشر. ولن نتحدث هنا عن استخدام الخرائط الذهنية (Mind Maps) فى العملية التدريسية، حيث صارت هذه الطريقة من الماضى، وبدأ العالم المتقدم فى استخدام طرق أخرى أكثر حداثة وتطوراً، ونعنى بذلك استخدام تقنية الواقع الافتراضى (Virtual Reality) فى التدريس. بيان ذلك أن جامعة «ويستمنستر» (Westminster) فى المملكة المتحدة قامت بابتكار طريقة حديثة لتدريس القانون تعتمد على استخدام الواقع الافتراضى، بحيث يتم استثمار هذه التكنولوجيا فى دراسة القضايا، بدلاً من الاقتصار على الكتب والدراسات النظرية فقط فى التعليم. وتهدف فكرة هذا الابتكار إلى إعطاء الطلاب فرصة لفهم القانون الجنائى وعلم الجريمة من خلال التفاعل مع بيئة مسرح الجريمة، وهى طريقة جديدة بالنسبة للطلاب لاستكشاف القضايا، والاستفادة من المزايا العديدة للواقع الافتراضى.
ويتيح هذا الابتكار للطلاب المشاركة فى سيناريو، تم تقديمه باستخدام تقنية (VR)، بما يمكّنهم من التفاعل مع أحداث القضية وتحليل أدلة الإثبات ولعب دور تفاعلى يتمثل فى تطبيق المعارف القانونية التى تلقاها الطالب أثناء دراسته على الوقائع الإجرامية والتعامل مع الدفوع والإشكاليات القانونية التى تثيرها. وقد تم تطبيق هذا الابتكار على دراسة حالة تتعلق بشقيقين يواجهان مشاكل مالية أثناء تصوير فيلم، وينتهى الأمر بموت أحدهما. والمطلوب من الطلاب هو التفاعل مع القضية من خلال طرح السؤال التالى على كل طالب: أنت الآن داخل المنزل وهدفك هو محاولة التوصل إلى استنتاج حول ما إذا كان الأخ الباقى على قيد الحياة مذنباً فى القتل أم لا، أو ما إذا كان دفاعاً عن النفس. ومن خلال فحص الأدلة، يمكن للطلاب التعرف على تفاصيل القضية والجوانب القانونية المختلفة لها.
ورغم أن هذا المشروع كان آنذاك فى مرحلة الاختبار، فإن الورقة البحثية التى اعتمد عليها حصلت بالفعل فى العام 2016م على جائزة أفضل ورقة بحثية من شبكة أبحاث التعلم (ILRN). وبالطبع فإن هذا الابتكار لن يُستخدم فى جميع مراحل كليات القانون، وإنما يمكن استخدامه فقط فى الأعوام الأخيرة للدراسة، بعد أن يكون الطالب قد حصل على الحد الأدنى اللازم من المعلومات والمعرفة القانونية. كذلك، فإن هذه الطريقة ليست بديلاً عن المواد التعليمية التقليدية، وإنما يمكن أن تكون مكملة لها. فلا تزال الكتب والمحاضرات التفاعلية مهمة للغاية، ولكن الجيل الحالى من الطلاب أكثر استعداداً لتجربة التقنيات الحديثة، ومن ثم فإن استخدام تقنية الواقع الافتراضى (VR) فى التدريس يتواكب مع مقتضيات العصر الذى يعيشون فيه ويتفاعلون معه. إن طالب اليوم هو القائم على تنفيذ وتطبيق القانون فى الغد، ولن يتسنى له تقبُّل المحاكم الافتراضية والتفاعل إيجاباً مع تطبيقها إلا إذا تم تأهيله من الآن للاستفادة من وسائل التكنولوجيا الحديثة. إن المستقبل القريب سيشهد استخداماً واسعاً للذكاء الاصطناعى فى مرفق القضاء، وينبغى من الآن الاستعداد له من خلال تأهيل أفضل لطلاب القانون فى جامعاتنا. إن طالب اليوم الذى يعتاد على استخدام التكنولوجيا فى دراسته هو الذى يكون مؤهلاً ومتقبلاً لاستخدام التكنولوجيا فى عمله مستقبلاً. إن عالم اليوم أصبح يستخدم لغة جديدة تماماً، ويتحدث بمفردات مغايرة تتعلق فى معظمها بالثورة التكنولوجية الرابعة، ولا يُعقل أن نعيش فى هذا العالم بآليات ومفردات من الماضى.. والله من وراء القصد.