الدولة تحاصر إهمال محطة مصر
حريق بمحطة سكك حديد مصر
على رصيف 6 بمحطة مصر فى ميدان رمسيس، حيث يودّع المسافرون ذويهم، جاء الوداع صباح أمس، مؤلماً أكثر من اللازم، حيث استيقظت القاهرة على موت 20 شخصاً وإصابة 40، حسب بيانات رسمية حتى مثول الجريدة للطبع، بسبب اصطدام جرار بصدادة حديدية وانفجار تانك الوقود، مما أسفر عن حريق هائل التهم العديد من الضحايا، الذين تفحّمت جثث بعضهم. وأفادت التحريات والتحقيقات الأولية وأقوال شهود عيان، بأن جرار القطار انطلق بسرعة شديدة من المخزن، واصطدم بصدادة حديدية فى الرصيف رقم 6، وتسبّب الاصطدام الشديد فى اندلاع النيران بالجرار وانفجار التانك.
وقائع ما جرى على «رصيف نمرة 6»: جرار بلا سائق يصطدم بـ«صدادة» ووزير النقل يستقيل.. وعشرات المسئولين على لائحة الاتهام
وقع الحادث فى التاسعة والنصف صباحاً، وهرعت سيارات الإطفاء إلى المكان، وتم السيطرة على الحريق، فيما قامت نحو 20 سيارة إسعاف بالتوجّه إلى «محطة مصر»، لنقل المصابين إلى المستشفيات الموجودة فى محيط منطقة رمسيس لعلاجهم.
وعلى خلفية الحادث المروع، تقدم الدكتور هشام عرفات، وزير النقل، باستقالته من منصبه إلى الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، وقال المستشار نادر سعد، متحدث مجلس الوزراء، فى بيان أمس، إن «رئيس الوزراء قبل الاستقالة».
ضبط السائق بعد هروبه.. و«سيناريوهات بديلة» لحركة تسيير القطارات ومواطنون: «مش هنركب قطر النهارده.. أكيد لسه ناس تحته»
من جهة ثانية، قال مصدر مسئول بهيئة السكة الحديد، إن الهيئة وضعت «سيناريوهات بديلة» عقب وقوع الحادث، للحفاظ على حركة مسير القطارات على جميع خطوط السكة الحديد فى الوجهين القبلى والبحرى، موضحاً أن جميع الرحلات منتظمة، ولا يوجد ما يعوقها. وأضاف المصدر أن جميع الجرارات وعربات القطارات تخضع لكشف دورى وصيانة دورية يومياً قبل انطلاق الرحلات، موضحاً أن الوزير المستقيل كان قد شدّد على عدم خروج أى جرار أو عربة قطار من ورش الصيانة إلا بعد التأكد من سلامته، خاصة أن قطارات السكة الحديد تقل نحو مليون و250 ألف مواطن يومياً.
وكشفت المصادر أسباب حادث حريق محطة مصر، مؤكدة أنه وقع نتيجة تصادم جرار قطار وعربة «الباور» الخاصة بالتكييف بصدادات نهاية الرصيف رقم 6 بالمحطة، حيث أدى دخول جرار القطار بسرعته إلى تصادم قوى وانفجار تانك الوقود به، واندلاع حريق هائل نتج عنه مصابون ووفيات بين الركاب الذين تصادف وجودهم على الرصيف، فضلاً عن احتراق بعض المكاتب المجاورة على رصيفى 6 و8، التى تقع بين أرصفة «بحرى وقبلى» بمحطة رمسيس.
وأوضح مصدر أن السبب الرئيسى لتصادم جرار وردية «أبوغاطس» رقم 2302 برصيف محطة مصر، أنه كان يسير دون سائق، حيث كان مدرجاً على جدول التشغيل أن يقوم السائق علاء صلاح بقيادته، مؤكداً أن قوات الأمن تحفّظت على السائق الذى كان مقرراً له أن يقود هذا القطار لمعرفة سبب تركه الجرار يتحرك بدونه، ليصطدم بـ«الصدادات» الموجودة فى نهاية الرصيف، مما أدى إلى الانفجار. وقال مصدر أمنى لـ«الوطن» إن أجهزة الأمن تحفّظت على سائق يُدعى علاء فتحى محمد، مواليد 1971 من طنطا، وهو الذى كان يستقل الجرار المتسبّب فى الحادث، وجارٍ مناقشته بمعرفة فريق بحث لمعرفة كيفية وقوع الحادث، ولماذا تجاوز السرعة المقرّرة للجرار فى المحطة، خاصة أن الطبيعى هو تحركه ببطء شديد. وأوضح المصدر أن السائق قال إنه فقد السيطرة على الجرار بسبب خلل فى الفرامل، وأنه أشار بيديه إلى الواقفين على الرصيف لتحذيرهم من الاصطدام. وقال المصدر إن فرق البحث تفحص وتحقّق مع جميع العاملين بالمحطة، وتفحصهم جنائياً، كما يجرى الآن فحص جميع أصحاب المحلات التجارية.
وتحفّظت النيابة العامة على جميع الكاميرات الموجودة داخل محطة مصر، فى إطار التحقيقات التى تجريها لمعرفة المشاهد التى التقطتها تلك الكاميرات قبل وأثناء وبعد الحادث، فى إطار التحقيقات للوصول إلى أسباب وقوع الحادث والتصوّر الخاص به لتحديد المسئوليات الجنائية وتحديد المتسبّبين فيها، وأمر النائب العام المستشار نبيل صادق ببدء تحقيقات موسّعة فى الحادث، وكلف فريقاً من محققى النيابة بالانتقال إلى محطة مصر واتخاذ الإجراءات اللازمة للتحقيق. وقال النائب العام، فى بيان، إنه «يتابع سير التحقيقات فى حادث اندلاع حريق بأحد القطارات داخل محطة مصر عقب تلقى إخطار بوقوعه». من جانبه، حمّل المهندس أشرف رسلان، رئيس هيئة السكة الحديد، السائق مسئولية الواقعة، لتركه جرار القطار يسير بدونه، مشيراً إلى أنه «ستتم محاسبة جميع المقصرين فى الحادث حساباً رادعاً»، مؤكداً أن حركة قطارات الوجه القبلى والبحرى تسير بصورة طبيعية. وأضاف لـ«الوطن» أن جميع كاميرات المراقبة تعمل داخل محطة مصر، وسيتم الرجوع إليها لمعرفة جميع ملابسات الواقعة، مشيراً إلى أن هناك إجراءات أمنية مشدّدة على مداخل ومخارج محطة مصر برمسيس، لحين رفع آثار الحادث المروع.
كان وزير النقل هشام عرفات، توجّه على الفور إلى محطة مصر، قبل تقديمه استقالته، لمتابعة الأسباب الحقيقية وراء تصادم جرار وردية يحمل رقم 2302، واصطدامه بالصدادات الخرسانية فى نهاية الرصيف رقم 6 بمحطة مصر، مما أدى إلى انفجار تانك الوقود ونتج عنه وقوع وفيات وإصابات.
كان «عرفات» أمر بتشكيل لجنة لإعداد تقرير فنى عن الحادث. ووجّه «عرفات» بتشكيل لجنة من أساتذة الهندسة بجامعة القاهرة لإعداد تقارير عن المبنى الملاصق لرصيف 6، الذى حدثت به تلفيات نتيجة الحريق، كما قام بمعاينة مكان سقوط الجرار ومراجعة برج إشارات شمال القاهرة، مقدّماً تعازيه لأسر ضحايا الحادث، مؤكداً أن «كل متقاعس عن أداء عمله سيُحاسَب حساباً عسيراً»، وأنه حزين على ضحايا الحادث الذين «ليس لهم أى ذنب». وأخلت قوات الأمن المحطة من الركاب، ومنعت الدخول إليها، وقررت «السكة الحديد» وقف حركة القطارات بمحطة مصر، بالتزامن مع وصول نحو 20 سيارة إطفاء للسيطرة على الحريق، الذى أسفر عن تفحُّم عدد من الجثث قبل أن تعود الحركة إلى طبيعتها.
وقال المستشار محمد سمير، المتحدث الرسمى باسم النيابة الإدارية، إن المستشارة أمانى الرافعى، رئيس الهيئة، أمرت بفتح تحقيق عاجل فى ما تم إذاعته ونشره فى وسائل الإعلام المختلفة بشأن الحادث، موضحاً أن فريق تحقيق من «النيابة الإدارية» انتقل إلى مكان الحادث لمباشرة التحقيقات الفورية.
وأكد العاملون بكل الروابط العمالية التابعة للسكة الحديد التزام الصمت التام، لحين الانتهاء من تحقيقات النيابة وتقارير اللجنة الفنية واللجان المشتركة من كلية الهندسة والنيابة العامة والسكة الحديد، وذلك حسب عبدالفتاح فكرى، رئيس النقابة العامة للعاملين بالسكة الحديد ومترو الأنفاق.
وفى محطة رمسيس، كتمت رائحة الغاز المختلطة بدخان أسود، أنفاس الجميع، بينما سارع رجال المطافئ لإخماده بكم ضخم من المياه جعلت الرصيف رقم 6 بمحطة مصر «بركة مياه» مليئة بالصرخات والألم ومشاهد باقية تدل على آثار الكارثة.
فاجعة لم تكن فى حسبان ركاب القطار، ليتبدّل مصير بعضهم تماماً، وسط بحيرات المياه المنتشرة على الرصيف، تتعالى أصوات رجال الشرطة بـ«كله يبعد.. ارجعوا لورا.. هتتعوروا.. انقلوا المصابين بسرعة»، وسط صرخات متتالية وبكاء لا يتوقف، بينما يسارع الإسعاف بحمل المصابين وأشلاء المتوفين فى أكياس سوداء، ليسيطر الرعب على جميع الحاضرين من منظر الدماء، بينما وقف آخرون على الأرصفة المقابلة، يحاولون توثيق تلك الحادثة بكاميرات هواتفهم المحمولة. واستمر رجال الإطفاء قرابة ساعة ونصف الساعة فى المكان لإخماد حريق الجرار الذى تلطخت أبوابه بالدماء، فيما يحاول آخرون نقل بقايا حقائب السفر والأطفال والنساء، مما يضفى رعباً وحزناً بين العديد من المواطنين الذين تجمهروا بكثافة أمام مكان الحادث، رغم رفض الشرطة ذلك.
وفى البرلمان، سادت حالة من الغضب، وتقدم أعضاء بمجلس النواب، ببيانات عاجلة، للمطالبة بعقد اجتماع طارئ واستدعاء وزير النقل، قبل إعلان استقالته، للوقوف على أسباب وتداعيات الحادث. وقال النائب سليمان وهدان، وكيل مجلس النواب، إن البرلمان سيستخدم كل أدواته البرلمانية لمعاقبة المتسبّبين فى هذه الكارثة، واستدعاء كل المسئولين عن الكارثة، وعلى رأسهم وزير النقل، ورئيس هيئة السكة الحديد، متابعاً: «لا يمكن السكوت على أى أخطاء، ويجب معاقبة كل المتورطين والمسئولين عن الحادث». وقال النائب هشام عبدالواحد، رئيس لجنة النقل بمجلس النواب، إن اللجنة ستدعو أعضاءها لاجتماع عاجل: «كفانا تقصيراً وإهمالاً».