توقف قليلاً، توقف عن النقد والهجوم والدفاع المستميت عما برأسك. توقف وخذ نفساً عميقاً واسترخِ، أغمض عينيك واعْلُ فوق الموقف الحالى الذى جعلك تختلف وتغضب وتخاصم وتكره.
فكر بالأمر من الأعلى وكأنك تشاهد المشهد كاملاً وأنت خارج الكادر، لتشاهد نفسك فرداً عادياً، له ما له وعليه ما عليه. والآن راقب بتركيز شديد وتَلبّس روح العدل والصدق.
استمع لوجهة النظر الأخرى ولكل التعليقات والمناوشات والآراء، أجِّلْ استماعك لذاتك، استمع للجميع، اقرأ وابحث وافهم وتمعن وأدرك، وأَحِطْ تماماً بالأمر من جميع جوانبه، والآن استمع لصوتك أنت!! ماذا وجدت؟ رأيك تغير قليلاً، أم انقلب نهائياً، أو ربما ثبت لكنك فى الوقت ذاته التمست الأعذار لغيرك!
تذكرون الصورة النمطية للحكماء على مر العصور! إنهم هؤلاء البشر قليلو الكلام كثيرو وعميقو التفكير. الحكيم لا يجادل ولا يفنى صحته الذهنية فى نقاشات عقيمة (لا تجدى أو تنفع)، بل يقول ما عنده مُقِلاً ومُدَلِّلاً (ما قل ودل)
بالطبع ليس بالضرورة أن نكون جميعاً حكماء فلاسفة أو علماء جهابذة، لكن حبذا لو اقتبسنا منهم الهدوء والتفكير والتمعن فى عالم المنطق.
خلال توقفنا عن الغضب والنقد وجلد الآخرين ومع التحلى بالحكمة والاستيعاب والتفكير الهادئ، ليتنا نقرن جميع ما سبق بالرحمة والمحبة والعفو، فأنت عندما تفهم الآخر وتستمع إليه وتكون الرحمة حاضرة فى قلبك، والإنسانية مسيطرة على فكرك بالتأكيد سيكون موقفك مختلفاً تماماً.
توقف، لتفكر وتعقل، كيف يكون اختلافك بنَّاءً مفيداً، وراقب ذاتك جيداً وكن رقيباً عليها. إن قابلك جاهل وقد علمت جهله فلا تجادله بعنف فتخسره وتخسر طاقتك! بل ارفق به وعامله بما فتح الله به عليك، فإنك إن نعمت بالعقل والحكمة وجب عليك التصدق على فاقديها بالصبر عليهم.
التمسك الأجوف بالرأى والتشبث به بعنف ليس من علامات القوة والثبات! اثبت عند رأيك إن أردت فهى قناعاتك وحريتك التامة، لكن بتعقل ورفق وتأدُب واحترام للآخر واختلافه، لا تعترض لمجرد الاعتراض، بل اطرح أفكاراً أو أفعالاً بديلة، لا تُنظِّرْ إن كنتَ فاقداً للنظرية، عاجزاً عن التطبيق.
لا تجعل لعلو صوتك الغلبة ولا لسخريتك المستفزة مكاناً، بل استمد قوتك من أدب طرحك لأفكارك وهدوء الاستماع لأفكار الغير. والآن سِرْ صانعاً لاختلاف مفيد مثمر، وحديث جذاب مقنع، وروح تقبل الآخرين واختلافهم فتُقْبَل.