فى الثامن والعشرين من فبراير 2019م، وتحت عنوان «محكمة النقض تطلق دائرة اليوم الواحد الإلكترونية»، صدر بيان إعلامى عن مركز معلومات محكمة النقض، مؤكداً أن رئيس المحكمة وجه مركز المعلومات باستخدام الوسائط التكنولوجية الحديثة لسرعة الفصل فى الطعون وإنشاء «دائرة اليوم الواحد النوعية». وكما يشير البيان، فإن هذه المبادرة تأتى إعمالاً لما قررته المادة 97 من دستور جمهورية مصر العربية من أن «التقاضى حق مصون ومكفول للجميع، وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضى، وتعمل على سرعة الفصل فى القضايا». ولعل ما يسترعى الانتباه فى هذا البيان الإعلامى هو استخدام مفردات جديدة غير مألوفة فى المنظومة القضائية التقليدية، ونعنى بذلك مصطلح «دائرة اليوم الواحد» و«اختصار الدورة المستندية» و«التقاضى الإلكترونى» من خلال «إدارة الجلسات الإلكترونية» و«رول الجلسة الإلكترونى» و«محاضر الجلسة الإلكترونية» و«تبادل المستندات والمذكرات إلكترونياً» والاستفادة من معطيات ثورة الإنترنت وثورة الاتصالات عن طريق استعمال رسائل المحمول والبريد الإلكترونى والخط المختصر أو الرقم الخاص بخدمة العملاء.
كذلك، يمكن أن نستشف من البيان الإعلامى بعض ملامح فكرة «الحكومة المتكاملة» التى تتعاون وتتعاضد كل سلطاتها ومؤسساتها فى تنفيذ السياسة العامة للدولة، حيث يربط البيان الإعلامى بين «دائرة اليوم الواحد النوعية» وبين اتجاه الدولة إلى مواكبة الأنظمة العالمية المتقدمة وتحقيق مناخ استثمارى جيد. والواقع أن الدراسات الحديثة تتحدث عن «الدور المجتمعى للقضاء» والعلاقة بين أداء مرفق القضاء وتشجيع الاستثمار، من خلال تحقيق مناخ استثمارى جيد، حيث يعتبر القضاء العادل الناجز أحد العناصر الداعمة والمعززة لمناخ الاستثمار وتحسين مرتبة الدولة فى تقرير التنافسية الدولية، وغيرها من التقارير الاقتصادية الدولية.
كذلك، ينبغى الإشادة بما تضمنه البيان من السعى إلى تعزيز ثقة المتقاضين بمرفق القضاء، وذلك من خلال الحرص على «استكمال سد الفجوة التى تكونت على مر العقود بين جناحى العدالة والمتقاضين، وتوفير وسائل بديلة من النواحى الإدارية والتكنولوجية تيسر على السادة المحامين وتكفل للمتقاضين -وبطريقة كريمة- حق التقاضى الذى من شأنه الرقى بالعمل فنبلغ أقصى درجات حسن سير العدالة». وهذه الثقة تتحقق بواسطة التيسير على المتقاضى بلوغ العدل بسرعة استقرار المراكز القانونية الذى هو هدف كل نظام قضائى. ولن يتحقق هذا الهدف إلا إذا تم القضاء على مشكلة تراكم الطعون التى تعانى منها محكمة النقض منذ فترة بعيدة، والتى استدعت تعديل قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، بحيث أصبح الطعن فى أحكام محكمة الجنح المستأنفة الصادرة فى الجنح المعاقب عليها بالحبس مدة لا تجاوز سنتين أو بالغرامة التى لا يجاوز حدها الأقصى عشرين ألف جنيه أمام محكمة أو أكثر من محاكم الجنايات، بمحكمة استئناف القاهرة، منعقدة فى غرفة مشورة، لتفصل بقرار مسبب فيها يفصح من هذه الطعون عن عدم قبوله شكلاً أو موضوعاً، ولتقرير إحالة الطعون الأخرى لنظرها بالجلسة أمامها، وذلك على وجه السرعة (القانون رقم 74 لسنة 2007 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية وقانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض).
حقاً إن القضاء العادل الناجز هو أحد أسباب الاستقرار الاجتماعى والاقتصادى والأمن المجتمعى بوجه عام. وقد ابتدعت الممارسات القضائية العالمية مؤخراً فكرة محكمة اليوم الواحد ومحكمة الجلسة الواحدة ومحكمة المطالبات البسيطة وغيرها من المبادرات الرامية إلى سرعة الفصل فى القضايا. المهم هو أن تستمر مسيرة التطوير والتحديث حتى يحتل القضاء المصرى المكانة اللائقة بين أفضل الأجهزة القضائية على مستوى العالم.. والله من وراء القصد.