أستاذ صحافة : لم تخلّص مصر من الاحتلال.. واستفادت منها النخبة وليس الشعب
د. نجوى كامل تتحدث لـ«الوطن»
أكدت الدكتورة نجوى كامل، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، مؤلفة كتاب «الصحافة الوفدية والقضايا الوطنية 1919 - 1936»، أن ثورة 19 عبرت عن رفض الشعب لسياسات الاحتلال، ولم تكن موجهة، بل كانت انتفاضة كبرى للطلاب والعمال والمرأة وجميع فئات المجتمع أغنياء وفقراء.. وإلى نص الحوار:
هل حققت ثورة 19 أهدافها؟
- هى أعظم ثورات الشعب المصرى، لأنها عبرت عن رفضه لسياسات الاحتلال، فضلاًً عن أنها لم تكن ثورة موجهة بل كانت انتفاضة كبرى للطلاب والعمال والمرأة وجميع فئات المجتمع أغنياء وفقراء، وللأسف فى ظل القيادات التى توالت على الثورة لم تستطع تحقيق أهدافها، ومنها التخلص من الاحتلال البريطانى، والإفراج عن سعد زغلول ورفاقه الذين تم نفيهم إلى جزيرة مالطة.
وماذا عن تأثير الثورة؟
- نتج عنها استعادة الشعب قدرته على الحركة، وقدرته على التعبير عن رأيه ورفض سياسة الاحتلال، فضلاً عن صدور دستور 1923، الذى أقر أن مصر دولة مستقلة ذات سيادة.
ما تأثير الثورة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية؟
- لا العمال ولا الفلاحون ولا الناس البسيطة استفادوا من الثورة، وهناك العديد من الناس لم يستفيدوا شيئاً من الثورة، ففى المجلس النيابى 1950، تمت مناقشة مشروع مقاومة الحفاء، فأصبح المستفيدون منها هم النخبة التى تملك المقدرة على المشاركة فى حكم مصر، كالسياسيين والأحزاب وليس عامة الشعب، لأنه مع الأسف أن القضية السياسية غطت على القضايا الاقتصادية والاجتماعية، هذا ما يجب توضيحه لمن يعيشون الآن فى وهم راحة ونعم العيش أثناء الحياة الملكية لجميع فئات الشعب من المصريين، فمن قرأ الصحف القديمة سيدرك أن مشاكل المصريين كما هى منذ قديم العهود، بما فيها الدروس الخصوصية والمعاكسات للنساء، فقط اختلف اللفظ فأصبح «تحرش».
ما مدى دقة تأريخ أحداث ثورة 19 على مدار 100 عام؟
- لا يوجد خلاف على أحداث الثورة، ولكن الاختلاف كان يرجع لتفسير أحداثها من قبَل المؤرخين، فهناك من يرى أن تأثير سعد زغلول كان سلبياً على الثورة مثل عبدالخالق لاشين، الذى رأى أن «سعد» هو من تسبب فى الانقسامات التى حدثت فى الحركة الوطنية، بين مؤيدى «الوفد»، وجبهة «الأحرار الدستوريين» ومؤسسها عدلى يكن، بسبب الصراع على السلطة والقيادة، على عكس المؤرخ عبدالعظيم رمضان، الذى أشاد بدور «سعد» فى الثورة من حيث التفاف الجماهير حوله بهدف التخلص من الاحتلال، وكلاهما يعتمد على وثائق، وفى النهاية لا توجد حقيقة مطلقة.
نجوى كامل: بريطانيا طالبت بأن تكون أسيوط عاصمة لدولة قبطية لكن الثورة وحّدت أطياف الوطن
هل نجح الاستعمار فى إشعال الفتنة الطائفية فى مصر؟
- عندما جاء الاستعمار لمصر كان يلعب على الفتنة الطائفية وطالبوا فى مؤتمر قبطى بالتقسيم وأن تكون أسيوط هى عاصمة الدولة القبطية، ولكن جاءت ثورة 19 لتقضى على كل ذلك باتحاد جميع طوائف الشعب وتغلق الباب أمام الفتنة بين الشعب، وعندما جاء تصريح 28 فبراير 1922 الذى أعلنت لندن فيه إنهاء الحماية البريطانية على مصر، اعتقدت بريطانيا أن الأقباط سينتفضون من أجل حمايتهم باعتبارهم أقلية.
كيف ترين مشاركة المرأة فى ثورة 19؟
- مشاركة المرأة فى الثورة كان بمثابة تعبير وطنى، ولم تكن المرة الأولى لمشاركتها فى الحركة الوطنية، حيث شاركت فى الثورة العرابية والحراك ضد الحملة الفرنسية، ولكن أعلنت قوة حضورها خلال ثورة 19، وبعدها نشط دورها السياسى فى المجتمع.
وماذا عن رد فعل المجتمع تجاه المرأة؟
- دائماًً كانت القضايا الوطنية هى ما تشغل المجتمع، باعتبار أنه إذا تحرر الوطن يتحرر رجاله ونساؤه، ثم يفكرون فى قضايا المرأة.
ما دور هدى شعراوى فى دعم المرأة؟
- كانت هدى شعراوى أكثر ميلاً لحزب الأحرار الدستوريين وأحزاب الأقلية أكثر من حزب الوفد، وكانت تدمج بين قضايا المرأة والوطن، باعتبار أنه لا يمكن تحرير المرأة والوطن محتل، ولا يمكن تحرير الوطن والمرأة محتلة بعادات وتقاليد، فهى دائماً ما تعانى من المشاكل المجتمعية باعتبارها امرأة لما تم توريثه من ثقافات ضدها، والمرأة دائماًً تحتاج إلى الدعم السياسى.
الشعب لم يخرج بسبب نفى «سعد» لكن الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أنذرت بانتفاضته.. ومشاركة المرأة كانت بمثابة تعبير وطنى
هل أثر لعب القمار على شعبية سعد زغلول وكونه مناضلاً وطنياً؟
- كان لعب القمار أو الشرب هو إحدى سمات الحياة الخاصة فى عهد سعد زغلول، وتقييم الحياة الشخصية ليس له علاقة بدوره كزعيم مناضل وقائد حركة ثورية جمعت العديد من أطياف الشعب المختلفة.
ماذا لو لم ينفَ سعد زغلول؟
- بوادر الثورة كانت موجودة من قبل نفى سعد زغلول، فبعد الحرب العالمية الأولى كان العالم بأجمعه فى انتظار الوعود التى تلقاها بالتغيير، ومعهم المصريون، فلو لم ينفَ سعد زغلول كان سيخرج عن صمته بشأن نتائج الحرب وسيعلو صوته مما سيترتب عليه التأثير فى الناس فكانت ستقوم الثورة لا محالة، فالقضية لا تكمن فى سعد زغلول بشكل خاص، وإنما الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية حينها كانت تنذر بانطلاق ثورة، كثورة يناير وثورة 30 يونيو، فلو كان الإخوان هم من تسببوا فى ثورة يناير ما كان عزل محمد مرسى، ولو كان قيادات الحزب الوطنى المنحل هم من أطلقوا 30 يونيو ما كان تنحى حسنى مبارك.
بعض المؤرخين يرى أن تأثير «زغلول» كان سلبياً.. ومع قيام الثورة كانت الأحكام العرفية معلنة والتغطية الصحفية محدودة
كيف كان دور الصحافة فى الثورة؟
- عند قيام الثورة كانت الأحكام العرفية معلنة، وبالتالى كانت تغطية الصحافة لأحداث الثورة محدودة، ولكن عندما تتابعت الأحداث واشتعلت أكثر بمشاركة جميع أطياف الشعب، تناولت الصحافة الأحداث بشكل أكبر، خاصة بعد أن سقط شهداء فى الأحداث، وكانت هناك صحف معارضة للثورة تقف مع الاحتلال وتؤيده مثل «المقطم»، وصحف التزمت الحياد مثل «الأهرام» كانت فقط تنشر أخباراً عن أحداث الثورة دون الدخول فى تفاصيل، ومع الإفراج عن سعد زغلول ومشاركته بمؤتمر الصلح فى باريس، طلب من عبدالرحمن فهمى أن يضم صحفاً مصرية لصف الوفد المصرى، كان أبرزها صحف مثل النظام، ووادى النيل، والأهالى، والأخبار، حيث أعلن أمين الرافعى أنها تعبر عن الوفد ومبادئه وليس الحزب الوطنى، وانتشرت صحافة الرأى التى تعبر عن ثقافة الوفد والأحداث السياسية.
كيف صار وضع الصحفيين فى ظل فرض الرقابة على الصحف؟
- لم تستطع الصحف أن تخرج عن الرقابة المفروضة عليها وقت الثورة، وكان هناك العديد من الصحف التى يتم إغلاقها، فكان الصحفى يتمكن من إصدار صحيفة بديلة بدعم من الحزب والثورة، فعند إغلاق جريدة البلاغ قام عبدالقادر حمزة باتباع نظام تأجير الصحف الذى كان شائعاً آنذاك، فقام بتأجير 5 صحف تصدر فى أيام معينة مع الحفاظ على ألوان الصحيفة الأصلية وشكلها مع تغيير فقط فى العناوين، وإن انتبهت السلطات لذلك فتتجه لإغلاق الصحيفة، وأكثر صحيفة استمرت مع الوفد هى صحيفة كوكب الشرق.
كيف أثرت صحافة الأحزاب على باقى الصحف؟
- كانت الصحافة التابعة للوفد والتى اعترف بها سعد زغلول ومصطفى النحاس كموالية له، سرعان ما تقع فور انشقاقها عن الوفد، فالوفد كان أساس نجاح العديد من الصحف وليس من يكتب فيها، فعندما انشقت صحيفة البلاغ عن الوفد، وهى الصحيفة الوفدية الأولى لمدة طويلة جداً، بقيادة رئيسها عبدالقادر حمزة، تدهورت أحوال الصحيفة للدرجة التى اضطرته للجوء إلى القصر وظل إلى أن حصل على لقب الباشاوية ومن ثم رشح للمجلس النيابى.
كانت صحيفة السياسة لديها ما يكفى من الثقل الفكرى، وذلك لأن موضوعاتها كانت من كتابة عظماء الصحفيين فى مصر، ولكنها فقدت الثقل السياسى لانتمائها لحزب أقلية، وعلى الرغم من أن صحيفة الاتحاد كان رئيس تحريرها فى فترة من الفترات طه حسين، عندما خرج من الأحرار الدستوريين ثم عمل بصحيفة الاتحاد، لكنها لم تحصد الأغلبية من قرائها إلى أن انضم «طه» إلى الوفد.
وتحولت تلك الأمور فترة الأربعينات من خلال ظهور المنافسة بين العديد من الصحف التى ظهرت بمختلف اتجاهاتها وشرعت فى تقديم كل ما هو جديد، فيما كانت الصحافة لها القدرة فى إسقاط وزارة على الرغم من انتشار الأمية آنذاك، مع التفرقة بين من يقرأ الصحيفة ومن يتعرض لها.
كيف انتشرت خطابات سعد زغلول لعبدالرحمن فهمى؟
- لم تنتشر خطابات سعد زغلول لعبدالرحمن فهمى، فكانت مراسلات سرية يحرك عبدالرحمن فهمى الوفد من خلالها فى ظل عدم وجود سعد زغلول، وكان ينجح من خلالها أيضاً فى استقطاب الصحف كصحيفة النظام ووادى النيل لانضمامها لصفوف الوفد.
كيف غطت الصحافة الغربية أحداث الثورة؟
- غطت صحافة الغرب أحداث ثورة 19 كخبر، ولكن بالطبع كانت الصحافة الإنجليزية ضدها، وإنما العالم بأكمله كان خارجاً مكسوراً من الحرب العالمية الثانية، بما فيه الدول التى فازت فى الحرب، فكانت هناك حالة من الانغماس لكل دولة فى حالها دون الخوض فى تفاصيل الثورة.
ما رد فعل الحركة الشعبية تجاه قرار التفاوض مع لجنة ملنر؟
- تم اعتبار قضية مصر فى البداية كقضية دولية، ووجد قرار تفاوض لجنة ملنر مقاطعة شديدة من قبَل الشعب، فنجحت فكرة مقاطعة أى مفاوضات ثنائية بيننا وبين الإنجليز، ولكن فجأة تغير الوضع وأصبحت هناك مفاوضات بين سعد والإنجليز، خاصة أن مصر خسرت قضيتها فى مؤتمر الصلح، فكان لا بد من هذه المفاوضات، ولكن رفض الحزب الوطنى الذى كان يقود الحركة الوطنية وتمسك برفضه معلناً أنه لا مفاوضة إلا بعد الجلاء، ولكن كيف تكون هناك مفاوضة بعد الجلاء، فإن حدث الجلاء فلا توجد مفاوضات، ولكن سعد زغلول اضطر إلى تغيير التوجه، ولجأ إلى التفاوض حسب مقتضيات الحالة، فاعترف العالم فى مؤتمر الصلح باحتلال بريطانيا لمصر، فكان ضرورياً التفاوض مع هؤلاء من أجل حل المشكلة.
هل تمت مفاوضات أخرى مع بريطانيا؟
- بدأت سلسلة من التفاوض انتهت بمعاهدة 1936، التى ألغاها مصطفى النحاس فيما بعد، وكل الحكومات التى جاءت مصر من قبل الإنجليز تم التفاوض معها، فترتب على ذلك تحول ثورة 1919 من حركة ثورية إلى حركة مفاوضات بين مصر وإنجلترا، وكانت دائماًً ما تفشل تلك المفاوضات ويتبعها سقوط الحكومة، فالتاريخ بأكمله أثبت فشل المفاوضات، ولكن المشكلة كانت تكمن فى أن تلك الحقبة من المفاوضات طالت مدتها وأضرت بالحركة الوطنية.