بعد أقل من شهر من توليه رئاسة مصر عام 2014 -منذ خمس سنوات تقريباً- طلب الرئيس عبدالفتاح السيسى من رؤساء تحرير الصحف وقيادات الإعلام، القيام بدورهم فى بث الوعى للمواطنين، مؤكداً أننا فى حالة حرب فى الداخل والخارج، مما يستدعى الانتباه الشديد إلى تماسك المجتمع بالكامل.
وقبل أيام، وخلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، بمناسبة يوم الشهيد، تحدث الرئيس عن تطور وسائل القتال فى تدمير الدول، وأن الجيل الرابع من الحروب لا يعتمد على المواجهة المباشرة، وإنما على وسائل الاتصال الحديثة، ونشر الشائعات ليفقد الناس الثقة فى أنفسهم وفى بعضهم البعض وفى قياداتهم، وقال الرئيس: «أنا مش قلقان عليكم.. حجم الوعى عندكم بقى كبير قوى».
الرئيس كعادته يراهن على ما يبدو مستحيلاً لكنه يتحقق، وتذكروا كيف راهن على وعى المواطنين عندما طالبهم بتفويضه لمحاربة الإرهاب، ونزل عشرات الملايين إلى الشوارع وقتها، وهذه المرة يراهن على وعى المصريين فى عدم تأثرهم بالشائعات، والصمود أمام الحرب النفسية، والتفرقة بين الصدق والخداع.
المؤكد أن رئيس الجمهورية -بحكم صلاحياته ومسئولياته- يعلم الكثير، لكننى كمواطن وصحفى، ينتابنى القلق مما أراه وألمسه من تعامل كثير من المصريين مع الشائعات، وأرى أننا يجب أن نلوم أنفسنا (كشعب)، لأننا غلطانين فى حق الحكومة، وقبل أن تدرككم الدهشة، مما أطرحه، سأوضح ما أقول.
نتعرض يومياً لعشرات، وقد تصل إلى مئات الشائعات، وكلنا يعلم الغرض منها، وأن وراءها جماعات إرهابية، على رأسها جماعة الإخوان، وأجهزة مخابرات أجنبية -وعربية أحياناً- والحكومة من جانبها أدركت خطورة ما يحدث، وأنشأت مركزاً لرصد الشائعات، تابعاً لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، ويقوم المركز يومياً بنفى العشرات منها، كما وجّه رئيس الوزراء المتحدثين الرسميين، والمستشارين الإعلاميين للوزارات المختلفة، بضرورة مواجهة الشائعات وتوضيح الحقائق للرأى العام أولاً بأول، كلٌّ فى ما يخصه.
هنا الحكومة أدت ما عليها، وقامت بالواجب معنا كمواطنين، لكن المثير للسخرية -بعد الضيق طبعاً- هو تمسّك البعض منا بترديد الشائعة، وإن تورط بنشرها عبر «فيس بوك»، لا ينشر النفى، ولا يحذف ما نشره، آملاً فى الحصول على «لايكات» و«كومنتات» برقم يباهى به أصدقاءه، والبعض يراها فرصة لقتل الفراغ بالتواصل مع المتفاعلين مع ما روّجه.
بصراحة إحنا شعب «فشخنا» المنطق -وبالمناسبة كلمة «فشخ» عربية فصيحة فى «المعجم الوسيط»، بمعنى لطم أو صفع أو كذب- وبهدلنا العلم، فالمنطق والعلم يؤكدان أن الشائعة تنتشر أمام غياب المعلومة الدقيقة، أو حتى نقص تفاصيلها، لكن واقعنا يُبرهن على إمكانية رواج الشائعة، رغم ثبوت عدم صحتها.
ما سبق ربما يثير الدهشة، لكن ما يثير الغيظ، قيام البعض بترويج شائعة ساذجة وعبيطة لا يمكن تصديقها من الوهلة الأولى، مثل توقيع غرامة بمبلغ 2500 جنيه على المتخلفين عن الكشف ضمن حملة «100 مليون صحة»، أو إصدار عملة ورقية بقيمة 500 جنيه، وهذه الشائعة تحديداً، مصحوبة بصورة مضروبة للعملة بتوقيع محافظ سابق للبنك المركزى، يعنى الشائعة تنفى نفسها، وتجد من يصدّقها، ومن أعجب الشائعات ما تمت نسبته إلى وزير الآثار عن نزع الجنسية المصرية عن أى مواطن لم يزُر الأهرامات آخر خمس سنوات، والأكثر عجباً، نفى تلك الشائعة بمعرفة أمين المجلس الأعلى للآثار، وهو ما يقودنا إلى نُصح الحكومة بالتركيز على الشائعات التى نخشى آثارها إن تم تصديقها، ويجب ألا نواجه الشائعات البلهاء بنفى أكثر بلاهة، هناك شائعات يجب نفيها سريعاً، خاصة المتعلقة برغيف العيش، ودعم السلع التموينية، والتعليم، والصحة، والشرطة، والقوات المسلحة، وهناك شائعات تكشف غباء وقلة حيلة من يطلقونها، وتعرّيهم، وتكشف نواياهم الخبيثة أمام عموم المصريين، دون جهد من الحكومة، التى اعتدنا نقدها، ووجب علينا أن ننقد أنفسنا هذه المرة.