أزمات «المعاهد»: مناهج متخمة ومدرسون ضعفاء.. وندرة المتخصصين
صالح عباس
ما بين كثرة المناهج، وصعوبتها، وضعف المدرسين، وقلة المتخصصين، تدور ماكينة الأزمات الأزهرية، التى تؤكد أن التعليم الأزهرى ما قبل الجامعى يشكو مشاكل عدة تسببت فى ضعف المنظومة التعليمية، وتجلى ذلك فى هجرة جماعية للتعليم العام، وشهدت السنوات الأربع الأخيرة طلبات تحويل لعدد كبير من طلاب الأزهر للانتقال إلى التعليم العام.
ورغم فرض الأزهر سياجاً مشدداً حول أعداد الطلاب المحولين من التعليم الأزهرى، فإن تصريحاً للشيخ جعفر عبدالله، رئيس قطاع المعاهد الأزهرية الأسبق، فى عام 2014، أكد أن عدد الطلاب الذين حولوا أوراقهم من المعاهد الأزهرية للالتحاق بمدارس التربية والتعليم بلغ 86 ألف طالب وطالبة، وأكثر من 75 ألفاً آخرون حولوا فى عام 2015، فيما كشف تقرير عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، عن تراجع عدد تلاميذ التعليم الأزهرى إلى مليون و754 ألف تلميذ فى عام 2016-2017، مقابل مليون و872 ألفاً فى العام السابق.
"الطيب" يستحدث لجاناً لإصلاح المقررات وتخفيفها من الحشو وتبسيط أساليب العرض ورسم خارطة طريق لوقف هجرة الطلاب إلى "التعليم العام"
وتنوعت الرؤى حول مشاكل التعليم الأزهرى وكيفية حلها، فأكد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب خلال اجتماع سابق فى لجنة تطوير التعليم بالأزهر، أن عدداً من المشكلات يعانى منها التعليم فى مصر عامة، والأزهر خاصة، تشمل «غياب الطلاب، وانتشار الدروس الخصوصية، وعدم تفرغ المدرسين المتميزين، وضعف المستوى المهنى والأكاديمى لدى الكثير من المدرسين، وعدم وجود متخصصين»، فهذه الأسباب وغيرها أخرجت لنا طلاباً ومدرسين بعيدين عن علوم التراث.
وشكل الأزهر منذ 6 سنوات «لجنة لإصلاح التعليم الأزهرى» مهمتها تطوير المناهج وتخفيفها من الحشو، وإضافة المستجدات إليها لتساير التطورات والقضايا الراهنة، ووضع الأسس الصحيحة لإعادة التعليم الأزهرى إلى مكانته المعهودة لتواكب تطورات العصر، مع الحفاظ على التعمق فى التراث، واستحدثت اللجنة، بحسب تقارير المشيخة، عدداً من المقررات الدراسية تتسم باللغة السهلة والأسلوب الميسر، مع حذف الموضوعات التى لا تناسب العصر ومستجداته، وتعمل هذه اللجنة على مراجعة وتطوير المناهج الدراسية كل 3 سنوات لضمان التطوير المتواصل للمناهج الدراسية وخدمة رسالة الأزهر.
وخلال العام الماضى، أعلن الإمام الأكبر عن تأسيس مجلس للتعليم الأزهرى قبل الجامعى للارتقاء بقطاع المعاهد الأزهرية، وإدارة العملية التعليمية، وفقاً لأحدث الأساليب العلمية والتربوية، ووضع خطط استراتيجية متكاملة للنهوض بمختلف جوانبها، ووجه «الطيب» بضرورة أن يضم المجلس ممثلين لمختلف الجهات المعنية بإدارة العملية التعليمية، إضافة إلى عدد من المتخصصين والخبراء، ويختص بإصدار القرارات واللوائح المتعلقة بسير العمل فى قطاع المعاهد الأزهرية، ووضع خطط الدراسة والمناهج بمختلف المراحل التعليمية، ودراسة احتياجات المناطق الأزهرية المادية والبشرية، وإقرار شروط الالتحاق والقبول بالمعاهد الأزهرية.
وكيل الأزهر: العملية التعليمية تحتاج إلى التطوير الدائم لمواكبة العصر.. و"قطاع المعاهد": تحديث مناهج كل الصفوف التعليمية
من جانبه، قال الشيخ صالح عباس، القائم بأعمال وكيل الأزهر، إن المشيخة تعمل على التحرك بخطوات غير مسبوقة للنهوض بالعملية التعليمية، والارتقاء بمختلف جوانبها، وفق خطط استراتيجية ممنهجة ومنضبطة، موضحاً فى بيان للمشيخة، حاجة العملية التعليمية الدائم إلى التطوير ومواكبة العصر، وهذا ما يعمل عليه الأزهر بصفة دائمة، مشيراً إلى استطاعة اللجنة إنجاز العديد من المهام، منها تطوير المناهج الأزهرية فارتفعت نسب النجاح بين الطلاب، فضلاً عن الارتقاء بمهارات المعلمين.
وشدد «عباس» على أن تطوير العملية التعليمية لا يعتمد فقط على المناهج وإنما على الخطط التى يعمل وفقها قطاع المناهج الأزهرية بشكل دائم، وتستند على الاهتمام بالمعلمين وتدريبهم، وتأهيل المبانى ورفع كفاءتها، وتزويد المعاهد بأحدث المعامل والوسائل التعليمية، إضافة إلى تعزيز الأنشطة الفنية والثقافية والترفيهية.
وطور القطاع فى المرحلة الابتدائية مناهج مادة التربية الإسلامية بعد اعتماد المجلس الأعلى للأزهر المقررات الجديدة لمادة التربية الإسلامية للمرحلة الابتدائية، من خلال منهج يتم تدريسه للمرة الأولى بالمعاهد الأزهرية، أعدته لجنة متخصصة فى المادة تابعة لقطاع المعاهد، كما شهدت المرحلة الإعدادية تطوير مادة أصول الدين التى تشمل 4 مواد مجموعة فى كتاب واحد هى التوحيد والتفسير والحديث الشريف والسيرة النبوية، وتُدرس للصفوف الثلاث بالمرحلة الإعدادية بدءاً من الصف الأول للصف الثالث، ويشمل منهج مادة التوحيد التعريف بعلم التوحيد ومبادئه وفائدته وحكم معرفة العقائد الدينية، مروراً بالإلهيات والصفات والأسماء الإلهية.
وتشتمل مادة التفسير على عدد من النصوص القرآنية التى تحث على التخلق بخلق الإسلام، والعمل وفق المنهج الإسلامى الوسطى المعتدل، والدعوة إلى الخير والعمل بالمعروف والنهى عن المنكر، أما مادة الحديث الشريف فتشتمل على عدد من الأحاديث النبوية التى تبين أركان الإسلام، وعلامات الإيمان، والمعاملة فى الإسلام، وبر الوالدين، وتبدأ مادة السيرة النبوية بسرد سيرة النبى منذ مولده وحتى وفاته، وكيف كان يتعامل مع غير المسلمين فى مكة والمدينة، كما تتضمن عدداً من المواقف التى ترد الشبهات عن النبى وآل بيته.
أما المرحلة الثانوية، فلحقها التطوير بأغلب المواد الشرعية والعربية المقررة على القسمين الأدبى والعلمى، حيث تم تطوير مناهج مواد الفقه بمذاهبه الأربعة المقررة على الصفوف الثلاثة، لتشتمل على بابين، الأول فقه العبادات كالصلاة والصوم والزكاة والحج، والثانى فقه المعاملات كالبيع والشراء والهبة والصدقة، فيما يدرس الصف الثالث باب النكاح بأحكامه المختلفة، كما أدخل قطاع المعاهد مادة مستحدثة للصف الأول الثانوى باسم «مختارات إسلامية» تضم عدداً من الكلمات التى تتصل بالدراسات الإسلامية والشريعة والأحكام الفقهية مترجمة باللغة الإنجليزية، وضعها نخبة متميزة من مستشارى اللغة الإنجليزية بقطاع المعاهد الأزهرية.
وبحسب تقرير صادر عن مشيخة الأزهر، فقد نجح قطاع المعاهد الأزهرية العام الماضى فى تحقيق العديد من الإنجازات، أبرزها تطبيق منظومة التعليم الجديدة، والارتقاء بجودة التعليم، وتطوير المعاهد الأزهرية وتزويدها بأحدث الوسائل والمستلزمات التعليمية، إضافة إلى محاربة الظواهر السلبية التى تشوب العملية التعليمية، والقضاء على ظاهرة الغش وتسريب الامتحانات، واستحداث المناهج التعليمية الإلكترونية، إضافة إلى تدشين منظومة الطعون الإلكترونية، والتوسع فى تطبيق معايير الجودة، وتجهيز مبانى المعاهد الأزهرية للصفوف الثانوية بما يتوافق مع النظام التعليمى الجديد، وتطوير المناهج التعليمية المشتركة بين الأزهر ووزارة التربية والتعليم، بما يتوافق مع رؤية الدولة المصرية 2030.
وتضمن التقرير قيام القطاع بربط العملية التعليمية بالنظام الإلكترونى، واستحداث مناهج تعليمية إلكترونية ومرئية لشرح المقررات الدراسية فى الفقه وأصول الدين واللغة العربية والتجويد للمرحلة الإعدادية، ونشرها على «بوابة الأزهر الإلكترونية»، كما جرى تطبيق منظومة الاختبارات الشفوية الإلكترونية لمادتى القرآن الكريم والحديث النبوى الشريف، لطلاب الشهادة الثانوية الأزهرية، ونشر نماذج استرشادية لامتحانات الصف الأول الثانوى على «بوابة الأزهر» لتدريب الطلاب على نظام الامتحانات، إلى جانب إعداد نماذج امتحانية لنظام «البوكليت» لتدريب طلاب الشهادة الثانوية على طرق الاختبارات.
ودشن قطاع المعاهد منظومة طعون إلكترونية للتظلم من نتيجة الشهادة الثانوية الأزهرية، وتطبيق مشروع تحليل نتائج المتعلمين إحصائياً لحصر نقاط القوة والضعف وتفعيل مفهوم «التغذية المرتدة»، التى تسهم فى تقويم عمليتى التعليم والتعلم، بشكل جيد.
وأشار قطاع المعاهد إلى دعمه مكتبات المعاهد بآلاف الكتب ومصادر المعلومات الحديثة، وبالتوازى مع التميز التعليمى، كذلك هناك أولوية متقدمة لتطبيق معايير جودة التعليم باعتبارها أحد المداخل الفعالة لإصلاح التعليم وتطويره وتحديثه، بالتنسيق مع الهيئة القومية لضمان الجودة والاعتماد، حيث بلغت نسبة اعتماد المعاهد الأزهرية للعام الدراسى 2017/2018م، قرابة 92% من إجمالى عدد المعاهد المتقدمة للحصول على الجودة، كما أنشأ القطاع وحدة للتدريب والجودة بجميع المعاهد الأزهرية.
"نصير": يجب اختزال المنهج ليعطى نبذة عن الفقه
و"إصلاح الأزهر": علينا تغيير الصورة النمطية عن المشيخة
من جانبها، قالت الدكتورة آمنة نصير، عميدة كلية الدراسات الإسلامية السابقة، إن التعليم الأزهرى يحتاج إلى نظرة تيسير على الطلاب، فلا بد من اختزال المناهج بحيث تُعطى نبذة عن الفقه وتفاصيل فى العقيدة، مشيراً إلى حاجة المدرسين إلى نظرة مطولة من القائمين على الأمر، فمستوياتهم باتت سيئة ويلجأون لضرب التلاميذ وتعنيفهم بشكل واسع، فالطالبات كن يحكين مآسى، بحسب «آمنة». وأضافت: «لا بد أن يتربى الطفل على التفكير منذ نعومة أظافره، وتوفير بيئة صالحة له وللمدرسين المؤهلين، فالقلة الشديدة للمعاهد المعتمدة من هيئة ضمان الجودة يوحى أن البيئة الأزهرية والإدارية والتعليمية فى المعاهد ليست على ما يرام، ونحن فى حاجة لثورة تعليمية وإدارية وبيئية وتصحيح مفاهيم المجتمع حول التعليم الأزهرى».
من جهته، قال عبدالغنى هندى، عضو جبهة إصلاح الأزهر: «هناك العديد من المشاكل التى تواجه الطلاب فى المعاهد الأزهرية على رأسها كثرة المواد الدراسية مقارنة بالتربية والتعليم، فعدم قدرة الطلاب على حفظ القرآن أحد أهم أسباب عزوف الطلاب عن التعليم بالأزهر، ولا بد من التركيز مع غير القادرين على الحفظ، ومساعدتهم على تخطى الأمر قبل أن يتحول إلى عقدة لدى الطلاب».
"المعاهد الأزهرية"
بدأت العملية التعليمية بالأزهر عام 970م.
استمرت الدراسة فى الجامع الأزهر بنظام الحلقات حول شيخ العمود حتى صدر أول قانون للأزهر عام 1872 نظم طريقة الحصول على شهادته ودرجاته العلمية.
فى عام 1911 صدر قانون ينظم الدراسة فى مراحل، لكل منها نظام، ومواد تعليمية خاصة، وأضيفت للمناهج مواد جديدة مثل الأخلاق والحساب والجبر والهندسة والتاريخ الإسلامى، وتقويم البلدان.
عام 1961 صدر القانون رقم 103، وعرَّف المعاهد الأزهرية بأنها المؤسسات التعليمية التابعة للأزهر، والتى تقوم مقام المدارس بأنواعها فى التعليم العام.