حين تصل مصر ما انقطع بينها وبين وجهها الأفريقى فإن هذا لا يعد استجابة لعلاقات تاريخية وحسب بل هو جسر تبنيه للعبور نحو المستقبل المشترك، بوقائع التاريخ وحقائق الجغرافيا لا يمكن أن تحيا مصر بشكل أفضل دون أن تولى وجهها شطر الجنوب، حيث ينطلق نهر النيل صوب الشمال فى رحلة تمتد لنحو سبعة آلاف كيلومتر قبل أن يصل لمصبه.
فى كتاب فلسفة الثورة الذى حوى أفكاره ورؤاه تحدث الزعيم جمال عبدالناصر عن دوائر ثلاث لا يمكن أن تحيا مصر بدونها، هى الدوائر العربية والأفريقية والإسلامية، وقد رسمت ولا تزال الدوائر الثلاث خطوط التحرك الدبلوماسى المصرى، غير أن مستوى الاهتمام بالدائرة الأفريقية شهد تراجعاً ملحوظاً فى السنوات التى سبقت ثورة 25 يناير، كما تلقت تلك الدائرة ضربات موجعة أثناء سنة حكم الإخوان لمصر.
يقول «عبدالناصر» فى «فلسفة الثورة» عن الدائرة الأفريقية:
ولسوف تظل شعوب القارة تتطلع إلينا نحن الذين نحرس الباب الشمالى للقارة والذين نعتبر صلتها بالعالم الخارجى كله ولن نستطيع بحال من الأحوال أن نتخلى عن مسئوليتنا فى المعاونة بكل ما نستطيع على نشر الوعى والحضارة حتى أعماق الغابة العذراء، ويبقى بعد ذلك سبب هام هو أن النيل شريان الحياة لوطننا يستمد ماءه من قلب أفريقيا، ويبقى أيضاً أن السودان الشقيق الحبيب تمتد حدوده إلى أعماق أفريقيا ويرتبط بصلات الجوار الحساسة فى وسطها، ولسوف أظل أحلم باليوم الذى أجد فيه فى القاهرة معهداً ضخماً لأفريقيا يسعى لكشف نواحى القارة أمام عيوننا ويخلق فى عقولنا وعياً أفريقياً مستنيراً، ويشارك مع كل العاملين من كل أنحاء الأرض على تقدم شعوب القارة ورفاهيتها.
الاثنين الماضى وفى ختام فعاليات ملتقى الشباب العربى والأفريقى وجه الملتقى دعوة لعدد من المشاركين لحفل إفطار فى معبد فيلة بمشاركة الرئيس السيسى، وعلى الإفطار وبينما جدران المعبد تقف شامخة وشاهدة على مرحلة مهمة من تاريخ مصر كان الحوار المفتوح بين الرئيس والشباب يرسم تفاصيل مرحلة مهمة فى مستقبل مصر وأفريقيا، تحدث الشباب المصرى والعربى والأفريقى بمنتهى الصراحة والوضوح، وتخيلت أننى أقرأ فى كتاب فلسفة الثورة أحلام وطموحات لمصر وللقارة السمراء، سمعت مداخلات الشباب التى عكست تقديرهم لمصر ومكانتها وسعادتهم البالغة لعودة مصر مجدداً لدائرتها الأفريقية، سمعت ما يطلبونه من مصر ومن الرئيس السيسى وكيف يعولون كثيراً على دوره خلال رئاسته للاتحاد الأفريقى، عرفت كيف يؤمنون بمصير مشترك ومستقبل واحد تلعب فيه مصر والرئيس السيسى الدور الأبرز والأهم، طالبوا الرئيس بأن يتولى الحديث باسمهم وتحقيق مطالبهم بالعمل مع القادة الأفارقة، طالبوا مصر والرئيس بمواجهة أخطار الإرهاب والتغلغل الإسرائيلى والتركى -على حد تعبير زميل من موريتانيا- فى ساحل أفريقيا الغربى وأثر ذلك على القارة ومستقبلها، طالبوا مصر والرئيس بمشروعات تنموية مشتركة تستثمر ثروات القارة الغنية وتعبد الطريق أمام شبابها لمستقبل أفضل، استمع الرئيس السيسى لنحو ثلاثين شاباً من عشرين دولة عربية وأفريقية، وتفاعل مع ما طرحوه وكلف إدارة المنتدى بإدراج ما تضمنته مداخلاتهم من مقترحات على جدول أعمالهم والبحث فى طريقة وضعها موضع التطبيق.
صحيح أن معطيات الواقع الأفريقى الآن تختلف عما كانت عليه فى خمسينات القرن الماضى لكن يبقى جوهر القضية على حاله، فالقارة التى تزخر بالثروات الطبيعية تعانى فقراً مدقعاً ويعيش أكثر من نصف سكانها فى فقر وجهل ومرض، وذلك كله بسبب عمليات الاستنزاف المتواصلة منذ قرون على يد دول استعمارية وشركات متعددة الجنسيات ترى أن استمرار القارة على ما هى عليه هو الشرط الحاكم لاستمرارها فى نهب ثرواتها واستغلال أبنائها، إن الآمال المعقودة على مصر من جهة شباب القارة كثيرة لكن الإيمان بدورها عميق والإصرار المصرى حالياً على وصل ما انقطع مع وجهها الأفريقى يمنح الجميع الأمل فى مستقبل أفضل مبنى على الإيمان بأننا معاً نستطيع، وبهذه العبارة اختتم الرئيس السيسى حواره مع الشباب على وعد بلقاءات ومشروعات عمل مشتركة فى المستقبل.