تابعت منذ أيام تقريراً صحفياً نشرته صحيفة «البورصة» تناول تراجع مرتبة مصر فى مؤشر إعمال القانون واحتلالها المرتبة 121 من بين 126 دولة فى المؤشر الصادر عن مؤسسة مستقلة اسمها «مشروع العدالة العالمية» تُعنى بقياس مؤشرات الفساد وتطبيق القانون فى الدول، ومقرها واشنطن.
وعلى الرغم من يقينى أن بعضاً من التقارير الدولية لا يخلو من تسييس المعلومات الواردة به لتحقيق هدف ما أو تنميط دولة ما، فإن علينا الاعتراف بأن تجاهل بعض مما يرد فى تلك التقارير ليس فى صالحنا، بل علينا دوماً تفنيده سلباً وإيجاباً، لأخذ ما ينفعنا ويصلح به حالنا وإعلان خطأ أو كذب بعضه الآخر إن وجد. ولذا توقفت أمام ما نشرته الجريدة حول مؤشر تلك المؤسسة للوقوف على موضع أقدامنا فيما نسعى له للقضاء على الفساد. فما زلت على يقينى أننا بحاجة لتطوير آلية مكافحة الفساد بإعادة تعريف الفساد نفسه وشفافية التقييم والمحاسبة وتصحيح الخطأ دون قصر الأمر على قضايا الرشوة فهناك مهملون أشد خطورة من مرتشين وهناك فاسدون لم يكتشفهم أحد، ولنا فى حادثة القطار الأخيرة عبرة بدءاً من السائق المدمن للمخدرات الذى اكتشفنا معه نص المادة 177 فى قانون الخدمة المدنية التى تنص على فصل المتعاطى دون إنذار، وأعلنها رئيس الدولة رغم صدور القانون من 2016، انتهاءً بقرار وزير النقل الفريق كامل الوزير الذى أقال نائب رئيس هيئة السكك الحديدية لفساد مالى لديه بصرف مكافآت لنفسه لا يستحقها وصرف مكافآت لمن حوله ليخفى فساده!
ومن بين ما جاء فى التقرير مؤشر انفتاح الحكومة الذى يقيس الشفافية وحق المعرفة وآلية الشكاوى، والذى وضع مصر فى مؤشر الحقوق الأساسية فى المرتبة 125 وفى مؤشر النظام والأمان فى المرتبة 120، وفى مؤشر إنفاذ التشريعات فى المرتبة 121 وفى مؤشر العدالة المدنية فى المرتبة 117 وفى مؤشر العدالة الجنائية فى المرتبة 76. وفى مؤشر القيود على صلاحيات الحكومة جاء الوزن النسبى لمصر 0.14% على القيود التشريعية للحكومة، و0.41% و0.33% على القيود القضائية والمراقبة المستقلة على الحكومة، و0.41% للعقوبات على المسئولين المخطئين. وهى مستويات قال عنها التقرير إنها أقل بكثير من الحد الأدنى العالمى.
مرة أخرى لا يعنينى هدف تلك المؤسسة من وراء التقرير أو ماهيتها، ولكن يعنينى مناقشة ما طرحته وأرى فى رأيى المتواضع أن أهم جزئية فيه هى الشفافية فى ظل حالة نحتاج فيها لمراجعة نظرتنا للفساد وتعريفه وطرق مكافحته. فلا يوجد مجتمع خالٍ من الفساد الذى هو فعل بشرى يتزايد بغياب الرقابة والتقييم والمحاسبة. وقد علمت أنه يجرى الآن من قبل وزارة التخطيط إعداد إدارات داخل المؤسسات لتفعيل الرقابة الداخلية، ولكن علينا الحذر حتى لا تتحول تلك الإدارات إلى منبت آخر للفساد داخل المؤسسات تسير فيها الأمور بمنطق «حبيبك يبلع لك الزلط».
وما يضمن فاعلية تلك الإدارات هو شفافية عرض الشكوى وشفافية عرض البت فيها على الملأ سلباً أو إيجاباً ليعلم الجميع أنه لا أحد فوق المحاسبة وليدرك الجميع أن المراجعة والتقييم لا تعنى نقصاً فى شخص أو عيباً فيه ولكنها ضامن لتنفيذ المستهدف. ليس هذا فقط ولكننا بحاجة -ودعونى أكررها للمرة المليون- إلى دكتاتورية القانون الناجز وتطوير أدوات تعاطيه وتنفيذه. نحن بحاجة لدولة تفرض هيبتها بالعدالة العمياء التى لا تفرق بين كبير وصغير، ولا مسئول أو مُساءل، نعم نحتاج لمحاربة الفساد بالشفافية والقانون والرقابة والتقييم ومعاقبة المخطئ والمهمل وابن الحرام.