الحادث أن هناك شبه إجماع من غالبية فعاليات المجتمع، خاصة وسائل الإعلام، على قصر إلقاء تبعة مكافحة الإرهاب على تضحيات رجال الشرطة والجيش، رغم أن هذه الجهود ومهما تعاظمت وتزايدت لن تتحقق الهزيمة الكاملة لهذه الظاهرة، الواجب يحتم علينا أن ننوه إلى أن مسئولية ضعف المشاركة المجتمعية فى مكافحة الإرهاب تقصير جسيم تشترك فيه جهات حكومية ورسمية عديدة وفى مقدمتها الإدارات المعنية بالاتصال بالإعلام فى بعض الأجهزة المعنية بمكافحة الإرهاب، الواجب أيضاً يحتم أن نُذكر الجميع أن مصر أثناء انغماسها فى مواجهة الأنشطة الإرهابية الدموية فى بدايات التسعينات من القرن الماضى، كانت سباقة فى انتهاج استراتيجية ناجحة للمواجهة لم يكن أساسها الرئيسى المواجهة الأمنية فحسب، بل بإشراك فئات المجتمع فى تنفيذ هذه الاستراتيجية، والواجب علينا أن نعيد الفضل لأهله، فقد خرجت الدعوة للمشاركة الشعبية والمجتمعية من داخل الإدارة العامة للإعلام والعلاقات بوزارة الداخلية، حينها قدر اللواء رؤوف المناوى، مساعد وزير الداخلية للإعلام والعلاقات، والمتحدث الرسمى باسم وزارة الداخلية، أن جهود رجال الشرطة وتضحياتهم الكبيرة مهما تعاظمت، وأن وزارة الداخلية ومهما تلقت من إمكانيات مادية كبيرة لن تستطيع بمفردها وأد الإرهاب.
المسارات التى تسارعت فيها خطى اللواء رؤوف المناوى لإشراك المجتمع فى دعم أجهزة الشرطة فى مواجهة الإرهاب، كانت متعددة ومتنوعة بل وفاعلة، ولضيق المساحة فإنى أفضل، هنا فى هذا المقام، التركيز على مبادرته الناجحة باستحداث نوع جديد من الإعلام أطلق عليه الإعلام الأمنى، يتضمن الأسس التى يجب أن يلتزم بها المجتمع، خاصة وسائل الإعلام، فى التعامل مع الجريمة الإرهابية، بما يتلافى الأضرار التى قد يتسبب فيها الإعلام غير الواعى عن هذه النوعية من الجرائم، حينها سجلت مصر بين مختلف دول العالم نجاحاً ملموساً فى مواجهة ظاهرة الإرهاب، حينها أيضاً تم عرض الاستراتيجية المصرية فى مكافحة الإرهاب خلال فعاليات مجلس وزراء الداخلية العرب، والتقطت أجهزة الأمن فى غالبية الدول العربية، وكذلك المعاهد والمرافق التعليمية الأمنية والاستراتيجية العربية، الفكرة وبات الإعلام الأمنى فرعاً جديداً من فروع الإعلام المستحدثة، وسجل عشرات الضباط فى مختلف أجهزة الشرطة العربية دراسات علمية مختلفة المضامين والعناوين، كانت تنطلق جميعها من معنى الإعلام الأمنى وكيفية تعميمه، وتحققت، آنذاك، نجاحات كبيرة على المستويين الأكاديمى والجماهيرى فى مواجهة ظاهرة الإرهاب التى تتطور أدواتها وأساليبها لحظة بعد لحظة.. وتمتلئ سجلات هذه الفترة بتفاصيل النجاحات التى تحققت فى مواجهة جماعة الموت، نتيجة لإشراك غالبية فئات المجتمع فى دعم أجهزة المكافحة، بأساليب وأدوات متعددة، كان أبرزها تطبيق مضامين ومعايير الإعلام الأمنى.
الحقيقة.. وقد عايشت تلك الفترة وتابعت تطوراتها، أشعر بحزن شديد نتيجة التعاطى العقيم من المجتمع، خاصة وسائل الإعلام مع ظاهرة الإرهاب، وما يحزننى أكثر أداء المسئولين عن إدارة الإعلام فى وزارة الداخلية الذين آثروا عدم التواصل مع وسائل الإعلام، وقصروا جهودهم فى الإعلام على جهود وزارة الداخلية بإصدار منتجات إعلامية فاقدة الفاعلية، سواء على السوشيال ميديا أو عبر رسائل تليفزيونية مصورة ترسلها إدارة الإعلام فى الداخلية إلى القنوات الفضائية، بصوت معلق واحد وبإعداد متطابق لا يدع للمتلقى أى فرصة للتواصل أو التعاطف مع رسالة الشرطة، رغم الجهود البارزة التى يقدمها أبناء جهاز الشرطة. أناشد السيد محمود توفيق، وزير الداخلية، ضرورة التوجيه بإعادة صياغة الرسالة الإعلامية الصادرة عن وزارة الداخلية، فالمواطن الذى تسعى الشرطة لتأمينه هو ذاته السند الذى تحتاجه فى أداء مهمتها وهذا لن يتحقق إلا بتواصل جيد.