هجوم نيوزيلندا المزدوج على مسجدين فى مدينة «كرايست تشيرتش» أثناء صلاة الجمعة فتح أبواب العنصرية وجرائم الكراهية على مصراعيها، فى وقت تحاول فيه دول العالم معالجة هذه القضية الشائكة، التى صنعتها أيدى الدول الكبرى الآثمة تسخيراً لتلبية احتياجاتها ومصالحها من الدول الضعيفة والغنية بالثروات، وقد لوحظ مؤخراً أن خطابات الكراهية ضد المسلمين فى الإعلام الغربى تتصدر عناوينها وتحمل طابع «الإسلاموفوبيا»، فالتأثير الإعلامى الغربى والتحريض على المسلمين بدأ يلاقى استحساناً كبيراً وصدى واسعاً لدى اليمين المتطرف، بدليل اللقطات التى بثها الإرهابى المسلح «برينتون تارنت» منفذ المجزرة على مواقع التواصل الاجتماعى أثناء الهجوم وهو يقتل المصلين الأبرياء بدم بارد وابتسامة عريضة تملأ وجهه وشعور باللذة المقززة تغزو ملامحه دون أن يرمش له جفن، بل يمارس ساديته مستمتعاً بالقتل فى بث مباشر، وهو يعرف نفسه بأنه أسترالى يبلغ من العمر 28 عاماً ويطلق النار بشكل عشوائى على رجال ونساء وأطفال من مسافة قريبة، وفى تبريره لما أقدم عليه قال إن أسباب هجومه ترجع إلى التزايد الكبير لعدد المهاجرين، كما فسر سبب اختياره لهذا المسجد تحديداً بزيادة عدد رواده، وأضاف فى رسالته قائلاً: «إن أرضنا لن تكون يوماً للمهاجرين، وهذا الوطن الذى كان للرجال البيض سيظل كذلك ولن يستطيعوا يوماً استبدال شعبنا».
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى بدأ رئاسته بخطابات عنصرية واضحة ومؤثرة فى سياسته الخارجية برر للإرهابى الأسترالى فعلته بعد ساعات من المجزرة، قائلاً إنه لا يظن أن خطر القومية الأبيض يتزايد حول العالم، معتبراً أن المجزرة من صنع مجموعة صغيرة من الناس لديهم مشاكل عقلية شديدة! ويبدو أن ترامب المدعوم من غالبية الجماعات اليمينية المتطرفة فى بلاده، يحاول التملص من اتخاذ مسئولية خطابه العنصرى والمتطرف ضد المسلمين، خصوصاً أن «برينتون تارنت» منفذ المجزرة يدعم أيديولوجية اليمين المتطرف ويتبنى سياسة معاداة المهاجرين، ويعتبر الرئيس الأمريكى رمزاً لإعادة الاعتبار للبيض، وأثبتت تقارير المنظمات الحقوقية والمسئولين الأمريكيين عدم صحة ادعاء ترامب، التى تشير إلى أن الإرهاب الداخلى، خصوصاً الفوقية البيضاء آخذة فى الازدياد فى الولايات المتحدة، إذ تشير البيانات القضائية إلى أن أكثر من 50 حالة قتل فى الولايات المتحدة عام 2018 ارتبطت باليمين المتطرف، وارتفعت بنسبة 35% عن عام 2017، كما أن جرائم الكراهية ارتفعت بنسبة 17%. وبعد حادثة نيوزيلندا بيّن تقرير إسبانى أن جرائم الكراهية ارتفعت فى إسبانيا فى عام 2017 بنسبة 120% مقارنة بعام 2016، وجرائم الكراهية «الإسلاموفوبيا» ارتفعت فى إقليم كتالونيا الذى يعيش فيه نحو مليونى مسلم بواقع 307% فى 2017 مقارنة بعام 2016، وقد أعلن مدير شئون الجرائم الجنائية والتمييز فى مدينة برشلونة عاصمة كتالونيا «ميجل أنخيل» أن 39 قضية من بين 41 متعلقة بالكراهية الدينية حققت فيها النيابة العامة، كانت ذات دوافع «إسلاموفوبيا»، فخطابات الكراهية ضد المسلمين فى الإعلام الإسبانى وصلت نحو 65%، مما نشر فى وسائل الإعلام عام 2017، فلأول مرة تكشف دراسة أكاديمية وعلمية إسبانية أن معظم وسائل الإعلام المحلية معادية للإسلام، ووفقاً لبيانات «الإرهاب العالمى» فإن هناك فرقاً واضحاً فى التغطية الإعلامية لجميع الهجمات الإرهابية بين عامى (2006-2015)، إذ قام الإرهابيون البيض من دون ذكر بياناتهم بما يقارب ضعف عدد الهجمات التى قام بها متشددون إسلاميون بين عامى (2008- 2016). إن العنصرية والتحريض على الكراهية صناعة غربية، وهو ما يؤكده الرئيس التنفيذى لرابطة مكافحة التشهير «جوناثان جرينبلات»، حيث قال: «إن التفوق الأبيض الحديث يمثل تهديداً دولياً لا يعرف الحدود ويتم تصديره وعولمته كما لم يحدث من قبل، وإن الكراهية التى أدت إلى العنف فى «بيتسبرج» و«تشارنوتسفيل» تجد مؤيدين جدداً فى جميع أنحاء العالم، ويبدو أن هذا الهجوم لم يكن يركز فقط على نيوزيلندا، وكان من المفترض أن يكون له تأثير عالمى».