«الإنسانية» هي الدين الحقيقي التي فطر الله الناس عليها، بما فيها من تسامح وتعايش وائتلاف يثريه تنوع الشعوب والقبائل للتعارف والاختلاف .. الإنسانية هي أصل الأديان وحقيقتها، وهي ذاتها التي تبعد كل البعد عن «مفاهيم دينية» تدعو إلى التطرف والتعصب والعنصرية والشحناء والبغضاء والقتل والذبح والتفجير والتكفير يقدمونها رجال كل دين إلى الناس في «لفُافة مقدسة» تحت شعار «رضا لله»!
«القيم الإنسانية» و«المفاهيم الدينية» متضادان لا يجتمعان، في ظل «التوظيف البرجماتي» لمروجي «المفاهيم»، فيما تظل "القيم" حرة طليقة من الإنتهازية، لا تعرف تأطيرًا ولا تأويلاً!
تأملت هذه «الإنسانية» أمس في ذكري مرور أسبوع علي حادث قتل المُصلين في مسجدي نيوزيلاندا، وتأملت «المفاهيم الدينية» في حادث تفجير برجي التجارة العالمي 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، وردود الفعل على كل منهما:-
في حادث نيوزيلاندا، لقي نحو 50 إنسانًا مصرعهم على يد «متطرف ديني»- في حادث 11 سبتمبر لقي نحو 3000 إنسان مصرعهم على يد «متطرف ديني»كانت «المفاهيم الدينية» سببًا للقتل في الجريمتين!
إلا أنه في حادث نيوزيلاندا انتصرت «القيم الإنسانية» على «المفاهيم الدينية».. فارتدت النساء الحجاب، وارتفع الآذان في أرجاء البلاد، ودعت جموع مواطنيها إلى صلاة رمزية فيما استغرق الجميع في البكاء والنحيب.
ارتدت رئيسة وزراء نيوزيلاندا الحجاب، واتشحت بالسواد، واستخدمت مفردات من اللغة العربية وأحاديث نبوية شريفة، نطقت بها كطفل يتعلم الكلام وينطق الحرف لأول مرة، نفير للدولة لم يسبق له مثيل وتعميم لقرار إنساني للنساء بارتداء الحجاب .
وقف المواطنون في شوارع المدن والتجمعات العامة، تكريما لضحايا الاعتداء الآثم، وأعلنت نيوزيلاندا الحداد الوطني، الذي خيم على البيوت، الكل تضامنوا مع إنسانيتهم، ومع الطائفة المسلمة بالأحضان، في مشهد تجلت فيه مشاعر الوحدة والائتلاف والسلوان في أبهي حلة..لقد كانت الإنسانية هناك!
في حادث 11 سبتمبر تفجير البرجين كان الانتصار في بلادنا لـ«المفاهيم الدينية» .. قضي 3 آلاف إنسان نحبه جراء فتوي دينية، وارتفعت الشماتة داخل العالم الإسلامي، وكان الناس يحتضنون بعضهم بعضًا فرحًا وطربا في الضحايا الأبرياء!
بعض المساجد باركت التفجير ورأته نصرة لدين الله!
فيما ذهب آخرون يستنطقون المصحف فيقولون إن قتل 3 آلاف إنسان هو نبأ قرآني!
صدحوا بالدعاء «الموت لأمريكا» وكأن القتل عبادة ..والتدمير قربي ..والفتك نٌسك ..والخراب طريق الي الله!
في 11 سبتمبر حضر «الشر» وحل الخراب باسم «الدين».. في نيوزيلاندا حضر «الخير» وعم السلام باسم «الإنسانية».. الدين والإنسان كلاهما تعرضًا لأكبر عملية اغتيال علي يد «رجال الدين»!