لم تكن فترة حكم الوالى سعيد بن محمد على بالسوء الذى كانت عليه فترة عباس بن طوسون. عاش «عباس» كارهاً لسياسات جده محمد على وعمه إبراهيم، وعندما تولى الحكم أبى إلا أن يسير عكسها. ففى الوقت الذى اهتم فيه محمد على بالتعليم وإنشاء المدارس، بادر عباس إلى إغلاقها، ونفى رفاعة الطهطاوى المسئول عنها إلى السودان حتى يتخلص منه بشكل نهائى. ظل الحال على ما هو عليه فى عصر عباس (إحياء للخرافة وقتل للتعليم) حتى تم اغتياله على يد اثنين من مماليكه، ليتولى الحكم من بعده عمه سعيد بن محمد على. أحيا سعيد تجربة أبيه من جديد فأعاد العمل بالمعامل والمدارس الملكية والعسكرية، ودعا «الطهطاوى» إلى العودة من منفاه بالسودان ليواصل دوره، لكن «سعيد» لم يضف شيئاً ذا بال إلى البنية التعليمية الموروثة عن محمد على، والأدهى أنه كان يرى أن «الشعب الجاهل أسلس قيادة من الشعب المتعلم» وهى جملة مملوكية بامتياز.
وبعيداً عن موضوع المدارس والتعليم لم يخلُ عصر الوالى سعيد من مظاهر ذات دلالة على المملوكية. من أهمها: إدارة مسألة الحكم طبقاً لنظرية المؤامرة. وليس هناك خلاف على أن هذه النظرية سائدة داخل كل قصور الحكم، لكن حضورها فى العصر المملوكى كان طاغياً. وعندما ظهر محمد على الكبير على الساحة رأت الحياة السياسية المصرية لأول مرة حاكماً صريحاً فى خصومته واضحاً فى رؤيته. وقد اختفت المؤامرات -أو كادت- وأصبحت الدولة تدار من خلال شخصه كمحتكر وحيد للقوة ومسيطر أوحد على كل دواليبها. وقد استمر هذا الوضع حتى أواخر عصر عباس عندما بدأت المؤامرات تطل بوجهها من جديد فى عودة سريعة لأحد أبرز معالم التراث السياسى المملوكى.
انتهت حياة عباس بالاغتيال على يد اثنين من مماليكه، ولم توضح كتب التاريخ الأسباب التى دفعت المملوكين إلى الإقدام على ذلك، لكنها تتحدث عن الخصومة البينة التى كانت بين عباس وولى عهده سعيد باشا، وأن الأول كان يخطط لنقل العرش من بعده إلى ولده إلهامى باشا، لكنه لم ينجح فى ذلك. فهل يكون سعيد وراء اغتيال عباس؟. سؤال لا يستطيع أحد أن يحسم الإجابة عنه، لكن الثابت فى كتب التاريخ أن سعيد كان واحداً من كبار المتآمرين داخل الأسرة العلوية. يتحدث ميخائيل شاروبيم فى كتابه «الكافى فى تاريخ مصر» عن مصرع الأمير أحمد بن إبراهيم بن محمد على ولى عهد سعيد غرقاً فى النيل ويشير إلى أن الناس تحدثوا عن أنه أغرق بأمر من سعيد حتى لا يتولى الحكم من بعده لأمر نقمه عليه، وأن سعيد أرسل إلى الأميرين إسماعيل ومصطفى فاضل يطلب منهما عدم ركوب القطار الذى غرق فيه الأمير أحمد فى النيل. ويعنى ذلك أن سعيد تمكن من إقناع إسماعيل بالمشاركة فى مؤامرة قتل أخيه، وأن الأخير وافق على ذلك طمعاً فى العرش. ولعلك تعلم أنه بعد وصول إسماعيل إلى سدة الولاية تآمر على كل نسل محمد على واستصدر فرماناً عثمانياً بجعل ولاية العرش من بعده فى نسله، ودفع مقابل ذلك رشاوى لا حصر لها للباب العالى ولكل من له اتصال بقصر السلطنة فى إسطنبول، وقد كانت هذه المدفوعات -ضمن أسباب أخرى- مقدمة لحالة الإفلاس التى ضربت الاقتصاد المصرى نهايات عصر إسماعيل ومثلت ذريعة للتدخل الأجنبى ثم الاحتلال الإنجليزى لمصر.