تعانى مصر منذ فترة طويلة من ظاهرة بطء إجراءات التقاضى، بحيث لا يصدر الحكم فى القضية فى الأغلب الأعم من الحالات إلا بعد مرور سنة أو بضع سنوات، بل إن الحكم فى الطعون بالنقض لا يصدر فى بعض الأحيان إلا بعد مرور أكثر من عشرين سنة، يكون المحكوم ضده قد أتم خلالها تنفيذ عقوبته، ومن ثم، قد يستغرب البعض الحديث عن «محكمة اليوم الواحد»، مستبعداً أن يتم تطبيق هذه الفكرة، والواقع أن تطبيق أى فكرة جديدة وإجراء أى تطوير، ونجاح أى إصلاح مرهون بتوافر أمرين، هما الإمكان، أى ظروف الواقع، والجواز، أى حكم القانون، وبتطبيق ذلك على «محكمة اليوم الواحد»، يمكن القول إن السبيل إلى ذلك إنما يكون من خلال تغيير الواقع، ويتحقق ذلك بتسخير وسائل التكنولوجيا الحديثة، الأمر الذى يؤدى إلى تيسير الإجراءات القضائية وكفالة سرعتها، فعلى سبيل المثال، يمكن إتمام الإعلانات القضائية فى ثوان معدودة، من خلال الوسائل الإلكترونية وتقنية التواصل عن بعد، بدلاً من عدة أيام وربما شهور فى حالة تسليم الإعلانات القضائية إلى المعلن إليه شخصياً فى محل إقامته أو فى مكان عمله أو فى أى مكان آخر قد يكون موجوداً فيه، غير أن الاعتداد بالإعلانات الإلكترونية قد يتطلب تعديلاً للنصوص القانونية السارية، كما حدث فى دولة الإمارات العربية المتحدة، التى قامت بتعديل قانون الإجراءات المدنية الاتحادى، بما يجعل الإعلانات القضائية الإلكترونية أمراً جائزاً ويمكن الاعتداد بها فى انعقاد الخصومة.
قد يرى البعض فى النصوص القانونية الحالية معوقاً لإجراءات التطوير، وبحيث يؤكد عدم جدوى أو عدم ملاءمة الحديث عن «محكمة اليوم الواحد» قبل أن يتم تعديل هذه النصوص، ومع ذلك، نعتقد أن التفكير الإيجابى والنظرة الإيجابية للأمور يمكن أن تؤدى إلى تحقيق نتائج طيبة حتى فى ظل الوضع الحالى، وكما يقولون: «ما لا يدرك كله لا يترك جله»، بيان ذلك أن القوانين المنظمة لإجراءات التقاضى قد تضمنت العديد من الآليات والوسائل الميسرة التى يمكن أن تجعل من مبادرة محكمة اليوم الواحد واقعاً ملموساً، ونعنى بذلك آلية «أمر الأداء» وآلية «الأمر الجنائى» ونظام «غرفة المشورة» فى نظر الطعون بالاستئناف والطعون بالنقض ونظام «دائرة فحص الطعون» فى المحكمة الإدارية العليا، المهم هو أن يتم تفعيل هذه الآليات، خصوصاً «أمر الأداء»، بحيث يلتزم القاضى بإصدار أمر الأداء، متى توافرت شروطه، وقد أحسن المشرع الإماراتى صنعاً عندما تدخل مؤخراً بتعديل أحكام الأداء، بحيث تطلب أن يكون رفض أمر الأداء مسبباً، الأمر الذى أدى إلى ارتفاع نسبة إصدار أوامر الأداء عما كانت عليه فى السابق، وبعد أن كانت حالات رفض إصدار أوامر الأداء تزيد على 98%، انخفضت هذه النسبة منذ تطبيق اللائحة التنظيمية لقانون الإجراءات المدنية إلى أقل من عشرة بالمائة، كذلك، نرى من الملائم تخفيض رسوم توثيق المحررات، لا سيما التوثيق العقارى، بما يسمح بالتنفيذ المباشر لهذه المحررات، دونما دعوى قضائية، إذ تعتبر المحررات الموثقة سندات تنفيذية فى كافة التشريعات الإجرائية العربية، ومنظوراً إليها على هذا النحو، يغدو من الجائز وضع الصيغة التنفيذية عليها، والبدء فى تنفيذ مقتضاها، دونما حاجة إلى سلوك سبيل التقاضى.
إن اللجوء إلى تفعيل الآليات الميسرة لاستيفاء الحقوق من شأنه خفض عدد الدعاوى المنظورة أمام المحاكم إلى حد كبير، بحيث لا يجد القاضى نفسه ملزماً بنظر كم هائل من القضايا، الأمر الذى يقود إلى سرعة الفصل فى القضايا وبلوغ أعلى مستويات الجودة فى الحكم القضائى. والله من وراء القصد.