أصدرت إدارة الجامع الأزهر قراراً غير مدروس يقضى باستبعاد العلماء الأزهريين غير المصريين من التدريس فى أروقة الجامع الأزهر، ما أثار استياء طلبة العلماء والعلماء، مصريين وغير مصريين، فى الوقت الذى: 1- تسلمت فيه مصر رئاسة الاتحاد الأفريقى. 2- اختيار جامعة الأزهر لاستضافة المقر الإقليمى لاتحاد الجامعات الأفريقية، وهو إنجاز متميز يحسب للأزهر وجامعته. 3- اختيار مصر لتنظيم بطولة كأس الأمم الأفريقية.
ومع حالة الاستياء، أصدر المركز الإعلامى للأزهر بياناً تجميلياً بغرض امتصاص حالة الاستياء، فقال: «فكرة الاستبعاد غير واردة، والجامع استقبل منذ أيام الشيخ مصطفى بن حمزة»، والحقيقة أن العلامة «بن حمزة» جاء ضيفاً للأزهر، ولو كان قائماً بالتدريس لانطبق عليه القرار، والبيان يؤكد الاستبعاد فى قوله: «يقوم الأزهر بعملية تطوير للتأكد من كفاءة المحاضرين، وهو ما استدعى (إيقاف) بعض الدروس بشكل (دائم) أو مؤقت، وغير المصريين يستأنفون دروسهم فى مدينة (البعوث)»!!
إذاً هناك إيقاف، واستبعاد من «الجامع الأزهر» إلى «البعوث»، ثم ما مفهوم التأكد من كفاءة واحد مثل: الفقيه الشافعى «أحمد المقدى»، أو الفقيه الشافعى «عصام معاز» أو عالم الحديث وعلومه «يوسف سى سفانى»، أو عالم اللغة «فوزى كوناتى» أو الفقيه الحنفى «عبدالرؤوف الحبال»، وهم تلاميذ نجباء لكبار العلماء، أمثال: الإمام الطيب، والشيخ القوصى، والشيخ على جمعة، والشيخ إبراهيم هدهد، والشيخ محمد مهنا، والشيخ جمال فاروق، وغيرهم؟ وإذا لم يكونوا أكفاء فكيف يُسمح لهم بالتدريس فى البعوث؟!
إن هؤلاء لم يتصدروا للتدريس إلا بعد أن نالوا الصناعة العلمية الدقيقة التى يجب أن يكون عليها الأستاذ، وكلهم على العقيدة الأشعرية، وينتمون للتصوف السنى، ولهم فى العلم سطوة وحظ، وجدارة ومُكنة، ومتلبسون بمعيار القبول والرد العميق عند العقل الأزهرى، وهو تعظيم شأن الأمة واختياراتها، ويهيمون حباً لمصر حضارة ومكانة وجيشاً وتراباً، ويُولون تقديراً خاصاً لفضيلة الإمام الأكبر، ولرئيس جامعة الأزهر، ولأعضاء الهيئات العلمية.
وأيضاً لهم موقف مشرف من التيارات التى شوهت الدين، صحيح بعضهم لم يشتبك اشتباكاً صريحاً معها، لكنهم جميعاً سدوا ثغرة كبيرة باعتنائهم بالعلوم الأزهرية، وعلى رأسها علم «أصول الفقه»، الذى يُعد جوهرة العلوم الأزهرية، وحائط الصد ضد الانحراف الفكرى.
وصدق «بيارد دودج» حين قال: «وأما الطلاب الأجانب الذين أتموا دراستهم بالأزهر، فإنهم يضطلعون بأعمال تعد صورة جليلة لأثر الأزهر فى هذه البلاد»، ومن الصفحات الناصعة للأزهر أنه كان يرسل علماءه إلى إريتريا، وحين تمت الاستعاضة بالعلماء الأزهريين الإريتريين استمر الأزهر فى دفع مرتبات الإريتريين، فكان الأزهر يكرم خريجيه غير المصريين، حتى وإن ارتحلوا إلى بلادهم، وحين جاء مصر العالم الكبير «زاهد الكوثرى» سعى إليه الشيخ «أبوزهرة» ليكون أستاذاً للشريعة، مما يدلك على شدة العناية بالاستفادة من غير المصريين.
إننا لا ندعى أن عالمية الأزهر تأثرت بهذا القرار، لأن عالمية الأزهر أصابها خدش قبل هذا القرار لظروف معينة، وأقول أصابها خدش، ولا أقول انهارت، لأن عالمية الأزهر باقية، بفضل جهود المخلصين من أبناء الأزهر، وعلى رأسهم فضيلة الإمام الأكبر، لكن هذا الخدش لا بد من تضييقه، وليس توسعته بهذا القرار.
لكن القرار حرم الطلاب من الاستفادة من هذه الكوكبة الأزهرية من (المصريين انتماءً، غير المصريين جنسية)، ولم تذكر الإدارة سبباً مقنعاً ولا غير مقنع للقرار، وعندى سؤال قد يبدو بعيداً عن القرار حول علاقة «هانى عودة»، مدير المسجد، بالإخوان سابقاً، وعلى كلٍ فالآمال معقودة على فضيلة الإمام الأكبر، وعلى المشرف العام الدكتور «عبدالمنعم فؤاد» لتصحيح الوضع، وهو -أى فضيلة الإمام- يولى اهتماماً خاصاً لغير المصريين، لأنه يعى عالمية الأزهر، ويجعلها مثار حديث دائم.