عبدالمنعم سعيد: نحن نعطى اليهود كل شىء على طبق من ذهب.. ولولا قرار حظر زيارة القدس لكانت شوارعها «بتتكلم عربى»
الدكتور عبدالمنعم سعيد
قال المفكر السياسى المرموق، الدكتور عبدالمنعم سعيد، إن الدول العربية لم تحدد بوضوح ما تريده من إسرائيل، منتقداً إصرار بعض هذه الدول على تقديم مسلسل من التنازلات الصغيرة لتل أبيب دون مقابل، وأضاف «سعيد» فى حواره مع «الوطن»: إذا كنا نريد هدم إسرائيل فليس أمامنا إلا حل الدولة الواحدة، وقتها يمكن أن يصبح للفلسطينيين نصيب فى الحكم ولن يكون مستبعداً أن يكون رئيس وزراء إسرائيل فى المستقبل اسمه محمد.
المفكر السياسى لـ"الوطن": لو سعى عرب 48 للمشاركة السياسية فقد يكون رئيس الوزراء الإسرائيلى اسمه "محمد"
واعتبر أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يعبر عن الولايات الأمريكية الصدئة التى تقوم اقتصاداتها على الأنشطة التقليدية وتضررت من العولمة، مؤكداً أن ظاهرة ترامب واليمين الداعم للانعزال و«البركست» مستمرة معنا نحو 10 سنوات مقبلة، وقال: «لكن فى النهاية هم ليسوا إلا جملة اعتراضية على مشروع العولمة».. وإلى التفاصيل.
ماذا يمكن أن تقدم إسرائيل للعرب باستثناء كونها مفتاحاً لأبواب واشنطن؟
- لا أعتقد أن الحكومات العربية تطرح على نفسها السؤال بهذا الوضوح، لأن صناع القرار العرب يفتقدون وجود مخططين استراتيجيين قادرين على وضع رؤى واضحة لسياساتهم، هم فقط يركزون وينظرون لإسرائيل باعتبارها مفتاحاً لقلب وعقل أمريكا، لكنهم لا يعرفون أن مصالح البلدين لا تتطابق بالضرورة، وأمريكا لا تسمع كلام إسرائيل تلقائياً.
إذاً ما سبب التسابق فى الفترة الأخيرة من الدول العربية للتقرب من إسرائيل؟
- لا أرى تسابقاً بل أرى أن كل ما حدث أقل مما يجب، طبعاً هناك تغيير واضح خصوصاً فى دول الخليج التى ترى أن إيران هى العدو الحقيقى لها وليس إسرائيل، لكن هذا التغيير لم ينتج عنه إلا «فتافيت» وتصرفات رمزية هنا وهناك، وبدلاً من أن ندخل فى صفقة كبيرة مع إسرائيل نفرض شروطنا فيها، نقدم سلسلة تنازلات صغيرة لا نجنى من ورائها شيئاً، لم يتعلم أحد من الرئيس أنور السادات الذى كان سابقاً لمنحنى الأحداث، إسرائيل موجودة فى المنطقة ولا يمكن أن تتجاهلها وعليك أن تحدد موقفك منها، وما دام ليس لدينا النية للتعامل مع إسرائيل من منطق القوة، فعلينا أن نقترب منهم على الأقل حتى نفهم، إسرائيل دولة غنية، ومتوسط دخل الفرد فيها نحو 40 ألف دولار سنوياً، وهى أحد أقطاب التقدم والتكنولوجيا فى العالم، وهم متفوقون فى مجالات حيوية لدول المنطقة، مثل تحلية المياه والزراعة والطاقة الشمسية، وفى تقديرى إذا كنا نريد هدم إسرائيل فليس أمامنا إلا حل الدولة الواحدة، وقتها يمكن أن يصبح للفلسطينيين نصيب فى الحكم، حل الدولة الواحدة هو الأقرب لتحقيق مصالحنا وهو الأقرب للواقع أيضاً.
ليس أمامنا إلا "نموذج السادات" الذى أذهل الإسرائيليين وقدم لهم "عرضاً لا يمكن رفضه".. وكان سابقاً لمنحنى الأحداث فى الحرب والسلم
ماذا تقصد بأنه أقرب للواقع؟
- الواقع يقول إن لدينا دولة فلسطينية معزولة فى غزة، لكن ليس لدينا دولة فى الضفة، والضفة وإسرائيل سوق اقتصادية واحدة: فجهة ونظام تحصيل الضرائب واحدة والعملة واحدة وهناك سوق عمل واحدة وشبكة مياه واحدة وهناك تنسيق أمنى على أعلى مستوى، وليس هناك ما تحتاجه أكثر من ذلك لتحقيق التكامل بين بلدين.
لكن إسرائيل ترفض حل الدولة وحل الدولتين؟
- صحيح، ولذلك ليس أمامنا إلا نموذج السادات الذى أذهل الإسرائيليين وقدم لهم «عرضاً لا يمكن رفضه»، وكان سابقاً لمنحنى الأحداث فى الحرب والسلم، فحرب أكتوبر كانت مفاجأة استراتيجية لا تقل عما حدث فى بيرل هاربر للأمريكان وعملية برباروسا للسوفييت (غزو الألمان المفاجئ للاتحاد السوفيتى فى 22 يونيو 1941)، أقصد أنها كانت مفاجأة قادرة على هز الواقع وتغييره، وبالفعل دفعت إسرائيل للتفاوض وأقنعتهم أن استمرار الصراع له تكلفة، ثم عاد وفاجأ الإسرائيليين بمبادرة السلام، فى المقابل أمامنا «نموذج حافظ الأسد» الذى رفض التعامل مع الواقع، والنتيجة أن إسرائيل تريد ضم الجولان التى لم تكن مطروحة أبداً قبل ذلك، واقع الأمر أن حقوق الفلسطينيين أقل اليوم مما كانت عليه فى أوسلو، وفى أوسلو أقل مما كانت عليه فى الستينات.
إذاً أنت تقترح أن نبادر بسلام مع إسرائيل؟
- أقترح سلاماً مع إسرائيل وسلاماً مع أنفسنا، أى لا ننكر الواقع، لماذا مثلاً نمنع زيارة القدس؟ ومن استفاد من ذلك؟ لولا هذا القرار لكانت كل مقاهى وفنادق وشوارع القدس تتكلم عربى الآن، نحن نعطى إسرائيل كل حاجة على طبق من ذهب، الفلسطينيون فى القدس الشرقية رفضوا الجنسية الإسرائيلية فأصبح هناك تفوق عدد لليهود، لو كنا دعمنا صمود هؤلاء بالسياحة والاستثمار وقبلوا الحصول على الجنسية الإسرائيلية كنا وضعنا الإسرائيليين الآن فى مأزق.
السلاح النووى جعل العالم يعيش سلاماً ورخاء غير مسبوق.. وعدد من يموتون من السمنة أكثر من ضحايا الجوع
أى مأزق؟
- مأزق التفوق السكانى للعرب عليهم، إسرائيل متفوقة علينا فى كل شىء إلا شيئاً واحداً وهو الديموجرافيا، إذاً يجب ألا نعطيها خيار الصراع لأنها ستكسب، يجب أن نعطيها خيار السلام والتطبيع، الذى يؤدى فى النهاية لقبول المشاركة فى الحكم، هناك 12 مليون نسمة بين البحر والنهر، 6 ملايين يهودى و6 ملايين عربى ومعدلات الإنجاب فى صالحنا، إسرائيل كظاهرة صهيونية عدوانية متفوقة على ما حولها، وهناك 1.6 مليون فلسطينى يعيشون داخل إسرائيل، أى أكبر من عدد مواطنى دولة الإمارات (نحو 1.1 مليون نسمة) ما يعنى أننا كدول عربية لو غيرنا استراتيجيتنا واستثمرنا فى هؤلاء وفى مدنهم وطالبنا بحقوقهم كمواطنين إسرائيليين، وسعوا هم للمشاركة السياسية والحصول على تمثيل يناسب عددهم الكبير، يمكن أن نحصل على نتائج مذهلة، ولن يكون مستبعداً أن يكون رئيس الوزراء الإسرائيلى فى المستقبل اسمه محمد، كما قال ترامب، وأعتقد أن الحل الكونفيدرالى يجمع بين مزايا حل الدولة وحل الدولتين.
لكن مرة أخرى إسرائيل رفضت المبادرة العربية 2002؟
- نحن لا نحتاج إلى المبادرة العربية، نحن نحتاج لمبادرة السادات التى غيرت البيئة كما أوضحت لك، والفرق كبير فالمبادرة العربية لم تذكر إسرائيل مرة واحدة واتفقوا على تكوين وفد لعرض المبادرة على إسرائيل، لكن هذا الوفد كان مكوناً من مصر والأردن فقط، أما السادات فلم يكتف بزيارة تل أبيب بل ذهب إلى الكنيست، أى تجاوز الحكومة وخاطب الشعب ووضع الدولة والشعب فى مأزق، وأصبح العالم يطالب الإسرائيليين بمحاولة مجاراة السادات.
"ظاهرة ترامب" واليمين الداعم للانعزال و"البريكست" مستمرة معنا 10 سنوات مقبلة لكن فى النهاية هم ليسوا إلا جملة اعتراضية على مشروع العولمة
كيف يمكن أن نفهم جوهر سياسات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ودوافعه للعزلة والانسحاب من الاتفاقات الدولية المختلفة وحربه التجارية ضد الصين وهجومه على حلفائه؟
- سياسات ترامب لها عدة أسباب، منها التراجع النسبى فى الاقتصاد الأمريكى، وأحب أن أؤكد على كلمة «نسبى»، لأن هناك مبالغات كثيرة فى هذا الصدد، فالناتج المحلى الإجمالى الأمريكى وصل بعد الحرب العالمية الثانية لنحو 50% من الناتج المحلى العالمى، لكن حتى مع تراجعه الآن، فقد سجل مؤخراً نحو 21 تريليون دولار من 84 تريليوناً هى قيمة إجمالى الناتج المحلى العالمى، فى مقابل 14 تريليوناً للصين، ما يعنى أن أمريكا لم تتراجع بالصورة التى يتخيلها البعض.
لكن لو حسبنا قيم الناتج المحلى للبلدين بمعيار القدرة الشرائية ستتفوق الصين؟
- هذا صحيح، سيقفز الناتج المحلى الصينى إلى 27 تريليون دولار ويتجمد الأمريكى عند 21 تريليوناً، لكن عناصر القوة الأمريكية ليست الاقتصاد والسلاح فقط، فهناك القوى الناعمة الأمريكية، ومنها اللغة الإنجليزية والموسيقى والسينما والجامعات الرائدة ومستوى الطب والسياحة إلخ، والصين لا تملك شيئاً يذكر من هذه القوى مقارنة بأمريكا، ويمكن ملاحظة ذلك بالنظر إلى طوابير الانتظار أمام سفارتى البلدين: كم واحداً أمام السفارة الأمريكية مقارنة بمن يقف أمام نظيرتها الصينية فى أى بلد؟ الصين حققت تقدماً مذهلاً فى فروع المعرفة المختلفة لكن مقارنتها بأمريكا مبالغة، فمثلاً الصين هبطت مؤخراً على الجزء المظلم للقمر بينما أمريكا ذهبت للمريخ، أى إن الصينيين ما زالوا «بيبى» مقارنة بالغرب، لكن عودة لسؤالك فإن لب سياسات ترامب ليس سببها الأساسى تراجع الاقتصاد الأمريكى وإنما تبنيه لمخاوف قاعدته الانتخابية.
أقترح سلاماً مع أنفسنا قبل السلام مع الدولة العبرية.. وحقوق الفلسطينيين اليوم أقل مما كانت عليه فى أوسلو.. وفى أوسلو أقل مما كانت فى الستينات
معنى ذلك أن سياسات ترامب لا تعبر عن كل الأمريكان؟
- حتى نفهم دوافع ترامب، من المهم أولاً أن نفهم أن الولايات المتحدة ليست متوازنة تكنولوجياً، فهناك ولايات اقتصاداتها ما زالت قائمة على الثورة الصناعية الثانية، مثل إلينوى وبنسلفانيا، حيث الزراعة والمناجم، وميتشجان وديترويت، حيث الصناعات التقليدية، وهذه الولايات التى يجرى إعادة بنائها على تكنولوجيات جديدة، يعيشون مرحلة انتقالية، وهناك أشخاص لم يتعلموا غير العمل فى الأنشطة التقليدية، ترامب يعبر عن مواطنى هذه الولايات التى تتضرر من العولمة، والتى ترى مشاكلها فى المهاجر المكسيكى الذى يأخذ أجراً أقل، أو قواعد العولمة التى تسمح لأصحاب رؤوس الأموال بنقل مصانعهم من أمريكا إلى المكسيك أو غيرها للاستفادة من انخفاض تكاليف الإنتاج، فى المقابل هناك ولايات متطورة قفزت لصناعات الثورة الصناعية الرابعة، وهذه تتركز فى الساحل الشرقى، بالإضافة لولاية كاليفورنيا فى الغرب وهى معادية لسياسات ترامب وقاعدته الانتخابية، ويسمى الأمريكان توجهات أصحاب النفوذ فى هذه الولايات بـ«المؤسسة الشرقية».
وما هى المؤسسة الشرقية؟
- الساحل الشمالى الشرقى يضم جماعات الضغط وكبار الرأسماليين وأوبرا ميتروبوليتان وأكبر الجامعات التى تحكم حركة التفكير فى أمريكا وأكبر وسائل الإعلام، وكل هؤلاء يطلق عليهم «المؤسسة الشرقية»، وهم يمثلون المعسكر الرافض لترامب، ولم يحدث فى التاريخ الأمريكى فيما أعلم أن رئيساً يأتى من ولاية ولا يحصل على أصواتها كما حدث مع ترامب الذى خسر أصوات نيويورك، لا أحد هناك يؤمن بدعوته للعزلة وشعار «أمريكا أولاً»، فهم يفهمون جيداً أهمية العولمة لاستمرار انتعاش الاقتصاد الأمريكى، وضرورة تفاعلهم مع قضايا العالم مثل الاحتباس الحرارى، ومقتنعون أن كل الصناعات التقليدية مثل الحديد الصلب والأسمنت يجب «أن نرميها من الشباك»، والتركيز على الصناعات الأكثر تقدماً، ومصالحهم مع حرية التجارة، ويدركون مثلاً أن القيمة السوقية لشركة مثل «آبل» لم تصل إلى تريليون دولار إلا لأن الطبقة الوسطى فى الهند والصين اشتروا منتجاتها، ومن هنا يأتى التناقض بين ولايات متقدمة مستفيدة من العولمة وفتح الأسواق وتدفق المهاجرين، وولايات صدئة تخشى من المنافسة وتريد الانغلاق على نفسها، هذه الولايات تمثل القاعدة الانتخابية التى أوصلت ترامب للبيت الأبيض، ومخاوفها انعكست على سياساته، فهو يعبر عن طبقة عاملة فى صناعات وأنشطة تقليدية مهددة من جانب منافسين أجانب، ولا يريدون أن يسمعوا كلاماً عن ضرورة الحد من التلوث وفتح أبواب أمريكا أمام المهاجرين وحرية التجارة.
العرب لا يسألون أنفسهم: ماذا نريد من تل أبيب؟ ولم نتعلم شيئاً من "السادات" وبدلاً من الدخول فى صفقة كبيرة نفرض فيها شروطنا نفضل مسلسلاً من التنازلات الصغيرة لا طائل منها
وأى المعسكرين أقوى الآن؟
- فى الوقت الحالى الموجة الداعمة لترامب ما زالت عالية، ليس فقط بسبب كثرة عدد الغاضبين من العولمة ولكن، وكالعادة، فإن الليبراليين دائماً منقسمون على أنفسهم، وأظن أن ظاهرة ترامب واليمين الداعم للانعزال و«البريكست» وغيرهم مستمرون معنا نحو 10 سنوات مقبلة، لكن فى النهاية هم ليسوا إلا جملة اعتراضية على مشروع العولمة، فالشىء الوحيد الذى لا تستطيع أن توقفه هو تطور قوى الإنتاج، وتاريخ التقدم فى العالم متوقف على تطور التكنولوجيا، وهذا التطور يُرتب أوضاعاً جديدة، لكننا نعلم أيضاً أن القديم لا يتبخر ولا يصبح عدماً وتظل له ذيول تطاردك ويخرج من يحاول إحياءه، وهذا هو ما يحاول اليمين وترامب فعله.
وكيف ترى الخلاف التجارى بين الصين وأمريكا؟
- ترامب يعتقد أن الصينيين يغشونهم بادعائهم أنهم دولة نامية، على أساس أن لديهم نحو 200 مليون مواطن فقير، وبالتالى يحصلون على معاملة تفضيلية فى أى اتفاقية تجارية مع دول العالم المتقدم، ما يترتب عليه أن تصدر هى لهذه الدول بتكلفة أقل مما تستورد منهم، وترامب يقول إنهم أصبحوا أغنياء ولديهم طبقة وسطى كبيرة ولم يعد هناك مبرر لمعاملتهم على أنهم دولة نامية.
هل تتفق مع من يرى أن الصراع حتمى بين واشنطن وبكين وفقاً لنظرية «Thucydides Trap» أو «مصيدة ثيوسيديدز»، وخلاصتها أن القوى العظمى القائمة لا بد أن تصطدم بالقوى الصاعدة كما حدث بين أثينا وإسبرطة؟
- لا أتفق مع هذا التصور، أولاً لأن الخلاف التجارى بينهما قابل للحل، فترامب يريد فقط تغيير شروط التعامل مع بكين، وهذا لا يمكن أن يؤدى لحرب، ثم إن «مصيدة ثيوسيديدز» نفسها لا تنطبق على الصين التى لم تمتلك بعد القدرات التى تؤهلها لمناطحة أمريكا، ما أريد أن أقوله إن الحرب بين البلدين ليست خياراً مطروحاً الآن، لكن هذا لا يعنى أن اندلاع حرب أمر مستحيل، فالمجانين موجودون فى التاريخ والأخطاء واردة.
رفض الفلسطينيين الجنسية منح الإسرائيليين تفوقاً عددياً.. وهم يتفوقون علينا فى كل شىء إلا الديموجرافيا.. ويجب ألا نعطيهم خيار الصراع لأنهم سيكسبون
لكن هناك خلافات أخرى وتوتراً ومشاحنات عسكرية متكررة بين البلدين فى بحر الصين الجنوبى؟
- صحيح، الصين تستفز الأمريكان ببناء جزر صناعية فى بحر الصين الجنوبى خارج حدودها المائية، وتُرتب على ذلك مطالب بالسيطرة على 12 ميلاً إضافية من مياه البحر، وهو ما ترفضه أمريكا وحلفاؤها هناك، ولذلك ترسل واشنطن سفنها الحربية لتبحر بجوار هذه الجزر لتؤكد أنها واقعة فى مياه دولية وليست صينية، وهذا يسبب توتراً لكن من الصعب أن يؤدى ذلك لحرب لثلاثة اعتبارات:
أولها أن البلدين لا يسعيان لحرب، والصين لم تلجأ فى نزاعات أهم لاستخدام القوة، وملفا هونج كونج وتايوان مثالان على ذلك، الاعتبار الثانى أنه فى مقابل نظرية «مصيدة ثيوسيديدز» التى تشير إليها، القائمة على قوى منعزلة ومتعارضة المصالح، هناك نظرية أخرى تنظر للصراعات من زاوية حجم الاعتماد المتبادل بين هذه القوى، وترى أن فرص الحرب تتقلص كلما زاد هذا الاعتماد، وحجم الاعتماد المتبادل بين أمريكا والصين هائل ويتزايد.
وماذا عن الاعتبار الثالث؟
- السلاح النووى طبعاً الذى جعل العالم يعيش فى سلام دون حرب عظمى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبفضل هذا السلاح يعيش العالم سلاماً لم يشهدها منذ سنوات طويلة، طبعاً لسنا نعيش فى «نيرفانا»، ولكن العالم الآن أكثر صحة وأقل عنفاً وفقراً مما كان، وعدد من يموت من السمنة أكثر ممن يموتون من الجوع، وأرجح أن يسود السلام المتوتر أو الهادئ العلاقة بين الصين وأمريكا.
هل نعيش مرحلة انتقالية؟
- فى كل وقت من الأوقات يمكن أن تقول إننا نعيش مرحلة انتقالية، ونحن الآن نعيش مرحلة انتقالية ما بين التغيرات النوعية الكبيرة، نحن ننتقل من عالم أحادى تقوده واشنطن إلى عالم ثلاثى الأقطاب مكون من أمريكا والصين وروسيا، وهذه مشكلة ألمانيا بل والاتحاد الأوروبى مع ترامب، هو ببساطة لا يراهم، وأعتقد أنه مخطئ.
هل ترامب جاد فى رغبته فى الخروج من سوريا وأفغانستان؟
- نعم ترامب يريد أن يخرج، لأنه من الناحية العسكرية يستطيع الأمريكان أن يخرجوا ولا يخرجوا، فالصواريخ والقوات الجوية تمكنه من تحقيق أهدافه من بعيد هناك فلماذا يلقى باللحم الأمريكى الحى للإرهابيين؟
إذا كان الأمر كذلك، فلماذا يصر على البقاء فى العراق؟
- هو يريد أن يبقى فى العراق حتى يتمكن من مراقبة تحركات إيران عن قرب، ويعتقد أن الإبقاء على قوات هناك يعطى سياساته المناوئة لإيران مصداقية، وقد يكون إصراره على البقاء فى العراق «غلطة عمره»، فالعراق بتركيبته الحالية لا يتحمل الوجود الأمريكى.
هل ترامب يسعى لشن حرب على إيران؟
- ترامب ليس رجل حرب، لأن الحرب مكلفة وهو لا يريد دفع هذه التكلفة، هو فقط يريد إجبار الإيرانيين على الجلوس على طاولة المفاوضات، وأصبح لديه نمط مفهوم فى إدارة الأزمات الداخلية والخارجية، إذ يبدأ بأقصى درجات التشدد حتى يدفع الطرف الآخر لمائدة التفاوض، وهو الآن فى مرحلة التشدد، ولذلك رأينا العقوبات و«مؤتمر وارسو» وضغوطه على العرب ليكونوا تحالفاً ضدها.