الإسلام كتب على المسلمين الشورى والعدل ومساءلة الحكام، وهى مبادئ ثابتة لا تسقط بإسقاط المجتهدين لها، ثم ترك لهم أن يضعوا «القوالب والصيغ» التى تستطيع من خلالها هذه المبادئ أن تؤتى أُكلها فى إطار الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل دولة. اكتفاء الوحى فى كثير من الأمور بالإجمال دون التفصيل ينطوى على تفويض الناس فى اختيار الوسائل والتفاصيل التى يرونها أكثر قدرة على تحقيق مقاصده فى رعاية مصالحهم، كما ينطوى على إقرار ضمنى بجواز اختلاف وسائل التطبيق وصوره باختلاف الأزمنة والأمكنة والظروف المحيطة بواقع التطبيق. شمول الإسلام وكفايته لا يعنى أنه فيه «تفاصيل النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية» وإنما يعنى أن فيه «مبادئ وأخلاقيات تساعد على انبثاق نظم حضارية»، ولهذا فإن النظم الحضارية «محاولات بشرية» «لا وحى منزل». التمييز بين «الوحى» وطرائق تحويله إلى نظم هو أحد المفاتيح الرئيسية للانطلاق نحو الاندفاع الحضارى المتحرر من عقبات التخويف المستمر بالخروج عن الإسلام. الذين يسرفون فى الإلحاح على تمييز الإسلام والمسلمين تميزاً شاملاً محجوجون بالقرآن الذى مدح الأنبياء السابقين وبحقيقة وحدة الإنسانية ووحدة مصدر الأديان السماوية. ينبغى إسدال الستار على الثنائية البغيضة «تعارض العقل مع النقل» كما لو كان أحدهما من عند الله والآخر من عند غيره.
إذا وقع التناقض بين العقل والنقل فهو تناقض موهوم لبعض العقول غير السوية. لا بد أن يستقر فى العقل المسلم «أن الإيمان فريضة وأن العلم هو الآخر فريضة» وأن الله تعالى أنعم علينا بكتابين، كتابه الموحى به وكتابه الأكبر فى الكون والتاريخ وفى ثنايا الوجود، والإيمان والتصديق هما السبيل لاستقبال كتاب الله الأول «القرآن» والبحث والتجربة والنظر وإعمال العقل هو السبيل لاستقبال كتاب الله الأكبر المبثوث فى آفاق النفس والكون والخلق. منهج الإسلام فى تقرير الحل والحرمة منهج توسعة على الناس وتخفيف عنهم، فما خير رسول الله بين أمرين إلا واختار أيسرهما ما لم يكن إثماً. حين تنفصل الأحكام عن غاياتها وتنفك الرابطة بين التكاليف الشرعية ومقاصدها، فإن المنفعة تفوت والمصلحة تغيب، ويقع الناس بذلك فى العسر والعنت.
- أزمة المتشددين أنهم يرون أنفسهم أوصياء على الدين وعلى الناس.
- التشدد لا يغلق أبواب الشر ولكن يفتحها.
- تحريم الحلال لا يقل إثماً عن تحليل الحرام.
- شريعة الإسلام بنيت على التيسير ورفع المشقة والحرج.
- من لم يستعمل عقله لم ينتفع بدينه.
- رفع شعار حاكمية الله على أسنة الرماح كان مدخلاً لباطل وسبيلاً إلى ظلم. الطاعة المطلقة لأمير الجماعة هى الباب الذى يندفع منه جموع الشباب إلى مصارعهم وإهلاك الحرث والنسل من حولهم. المسلم لا يحتاج إلى شهادة أحد أو وساطة أحد حتى يكون مسلماً. من أهم أسباب التطرف عدم التفرقة بين «الشريعة» وهى الجزء الثابت من أحكام الإسلام و«الفقه» وهو تفسير الرجال للجزء الثابت ولذلك فهو متغير.
إذا تأملت هذه الكلمات عرفت قدر صاحبها الذى نطق بآلاف الحكم العميقة مثلها أو أفضل منها.
- إنها غيض من فيض علم وفكر العلامة فخر أسيوط ومصر د. كمال أبوالمجد، الذى أثرى الدنيا بأخلاقه والعلم بموسوعيته النادرة والفكر الإسلامى بوسطيته والسياسة بواقعيته، والحياة بدعوة الحوار لا المواجهة، إنه سيارة الإطفاء لأى صراع سياسى أو مذهبى أو دينى، وللأسف فقد حرقنا هذه السيارة ولم نستفد منها.
- إنه الأب الروحى لعشرات الأفذاذ من أبناء مصر، ومنهم د. أسامة الباز، د. سعد الدين إبراهيم، د. على الدين هلال، وكمال الإبراشى، د. طارق البشرى، د. سليم العوا، أما تلاميذه من أساتذة القانون والقضاة وفقهاء الدستور فلا حصر لهم، رحمه الله رحمة واسعة.