توقفت مثل كثيرين عند الخبر الذى يقول إن الشرطة المصرية نجحت فى إحباط عملية لتهريب ٢ طن هيروين لمصر، الهيروين مادة خام تضاف إليها إضافات أخرى قبل بيعها للمدمنين، ببعض الحسابات سنجد أن الكمية التى ستطرح للبيع ربما تكون عشرة أطنان أو ربما عشرين، إذا قلنا إن الهيروين يستهلك بالجرام وبالربع جرام فنحن نتحدث عن تريليون جرام هيروين تصل للمدمنين، عملية البيع (القطاعى) هذه والتى تتم بهذا العدد غير النهائى من المرات، تحتاج إلى شبكات توزيع وحماية قوية للغاية يمكننا أن نخمن عدد العاملين فيها معاً.. أما مراجعة الأرشيف الصحفى لعمليات إدارة مكافحة المخدرات فيمكن أن تثير الإحباط.. حيث لا توجد ضبطيات كثيرة مثل هذه الضبطية التى تستحق التحية.. تعاطى المخدرات عدو حقيقى لهذا الوطن لا يقل ضراوة وتوحشاً عن الإرهاب ولا عن الفساد، وأثق أن الدولة تضع محاربة المخدرات على رأس أولوياتها فى الوقت المناسب.
نحن نتحدث عن ظاهرة تاريخية بدأها المصريون مبكراً جداً فى العصر المملوكى واستمرت كطقس اجتماعى تصالح معه الكثيرون ولم يجد أحد رغبة حقيقية فى محاربته لعقود طويلة. الأرقام تقول إن ١٠٫٤٪ من إجمالى المصريين بين سن ١٢ لـ٦٠ عاماً يتعاطون المخدرات، وهى نسبة تقدر بالملايين ومعدل مرتفع جداً بالمقارنة بالمعدل العالمى وهو ٥٪ فقط، بينما تقول إحصاءات صندوق التعافى من المخدرات إن ٣٠٪ من المتعاطين يتعاطون الحشيش والبانجو، وإن نسبة من يتعاطون مخدرى الفودو والاستروكس الجديدين قد ارتفعت لتصل إلى ٢٥٪ من إجمالى متعاطى المخدرات فى مصر، أما النسبة الباقية وهى ٣٥٪ فتتوزع بين متعاطى الهيروين والكوكايين والمخدرات التخليقية الأخرى.
الواقع يقول إننا لا يمكن أن نبدأ نهضة بينما الملايين من الشعب ذاهلة عن أمر نفسها، والواقع يقول أيضاً إن قضية مثل إدمان المخدرات لا تقل أهمية إن لم تزد عن قضايا سياسية تشغل بها النخبة نفسها ليل نهار، وكأنه بالسياسة فقط تتحقق نهضة الأمم، أما أقرب مثال فى التاريخ الحديث فهو الصين، التى لم تتمكن من ركوب قطار التحديث والتصنيع إلا بعد القضاء على إدمان الأفيون وإعدام من يتاجر به.. المخدرات قضية أكثر من خطيرة لكننا عنها غافلون.