الحملة العنصرية الجهولة على الإسلام
رمتنى بسهمها وانسلت!!
هذه هى خلاصة التطاول الجهول على الإسلام وعلى القرآن الكريم!
أسوأ ما يجرى هذه الأيام، من حملة ضالة جهولة على الإسلام والمسلمين، أنها تصرف الأنظار عن الفهم، الذى يمكن أن يؤمّن الإنسانية ويلات ما يجرى وما هو راقد بالتبعية فى رحم الأيام القادمة. إن الديانات بعامة، لا ينال منها هجوم مهما ضل واشتط، لأن الدين بما فيه من ناحية لن ينقص أو يزيد بمرايا الآخرين المحدّبة أو المقعّرة، ولأنه من ناحية أخرى واقع راسخ فى عقيدة أهله. الخاسر هو التشخيص الضال والمواجهة الأكثر ضلالاً، لأنها تترك ما يجب التصدى له، وتحارب طواحين هواء على منطق «دون كيشوت» فى رواية «سرفانتس».. لن يجدى التشخيص أن يترك الداء ويتربّص بالإسلام وأهله، ولن ينفعه أن يخلط بين الدين والجانحين أو الحركات الجانحة عنه، فذلك وارد وورد على كل الأديان، ولن يصدّق أحد هذا التشخيص الأحول حين يخلط بين الفداء للدفاع المشروع عن الأوطان، وبين الإرهاب، فالوضوح الناصع فى الفارق الهائل بين هذا وذاك، يستدعى الضحك من عوار التشخيص وعمائه الضرير بأكثر مما يجلب الألم أو البكاء!!.
إن الاشتباك الدائر الآن هو بين مصالح تغوَّلت وتسعى لمزيد من التغوُّل، وبين حقوق مهدرة تناضل لوقف الزحف الجائر الجارى عليها!
أُس البلاء
يشيح هذا النظر الضرير المتربص بالإسلام، عن أُس البلاء الناجم عن تحالف الصهيونية مع الاستعمار الغربى فى استكمال الغزو بكل صوره للشرق الإسلامى، ذلك الغزو الاستعمارى الذى مارسه الغرب على مدار حقب ثم التأمت به الحركة الصهيونية التى هى فى جانب منها إفراز عضوى للحضارة الغربية بمنطقها تسخير العالم لصالح الأقوى، وفى جانبها الآخر استدعاء لنصوص توراتية أو تلمودية تُسرف فى مجافاة وازدراء وتحقير ومعاداة الأغيار، وتشتط من منطق العرق والتمييز والاستعلاء والشعب المختار، الذى جعل الله الكون كله لخدمته إلى حدّ التدمير والغزو واستباحة الأرواح واسترخاص دماء الأغيار، على نحو لا نظير له فى مدونات الأديان الأخرى (سفر الخروج 32: 25 - 29، وسفر اللاويين 20: 24 - 26، وسفر صموئيل الأول 15: 1 - 3، وسفر التثنية 20: 10 - 16، 13: 6 - 17، وسفر صموئيل الأول 27: 9 - 12، وسفر صموئيل الثانى 12: 31، وسفر التثنية 7: 1 - 6، 19: 1 - 14).
مصر المستهدفة
ومن هذه النصوص ما يخص مصر والمصريين بعداوة خاصة بلغت حد الإيذاء والسلب والنهب وبث الكراهية والعداء (سفر الخروج 3: 18 - 22، 12: 12 - 14) فضلاً عما ورد فى التلمود على تناقضاته من عداء وتحقير واستباحة للأغيار، مما تحفَّظ عليه قطاع غير ضئيل من اليهود ومفكريهم، وسعت الطبعات الجديدة من التلمود إلى إحلال كلمة «مصرى» أو «سامرى» أو«صدوقى»، محل كلمة «مسيحى» أو «غريب»، درءاً للحرج الشديد الذى استشعره يهود بلغ ببعضهم حد التحفّظ على النصوص ذاتها، وألَّف بعض مفكريهم مصنّفات تعزو كثيراً من المدونات الدينية إلى تدخّلات وتحريفات وإضافات بشرية على نحو ما نجده فى كتاب ريتشارد فريدمان: «مَن الذى كتب التوراة»، وكتاب ليوتاكسل: «التوراة كتاب مقدس أم جمع من الأساطير»، مما يقترب مما أورده القرآن من أن المتداول فى المدونات اليهودية أصابه تحريف عما أنزله الله تعالى على موسى عليه السلام، ويبدو أن هذا الاستعلاء على الأغيار، ومجافاتهم، والاستهانة بهم، حصاد تلقائى لهيام اليهودية بالعرق والسلالة، وبقداسة الشعب المميز المقدس المختار، وبالعبقرية اليهودية التى يستمسك بها اليهود فى غير تواضع.. ولا مراء فى أن إشكالية العزلة اليهودية المنبثقة من كل هذه الإشكاليات، تسهم فى تعميق «مجافاة» الأغيار وتجفيف ينابيع الود وإحلال الوحشة وسوء الظن المتبادل محلها، واستدعاء واستنفار روح العداء إزاء الأغيار الذين وسعت اليهودية دائرتهم، فصاروا من لا يدين فى العالم كله باليهودية.. ومن دائرتهم أو دوائرهم ينسحب اليهود من الدنيا بأسرها، ليقيموا داخل الجيتوات الاختيارية أو القسرية، التى تعدّدت فى أوروبا بالذات. هذا الانعزال أدى إلى إحساس اليهود بالنفى الأزلى، وبالغربة فى كل مكان ينتقلون إليه، وهذا الإحساس الدائم بالغربة والنفى هو الذى يُلح على اليهود بفكرة الوطن القومى لليهود. وصارت عبارات «المنفى» و«الشتات» و«الدياسبورا» و«العودة» كلمات متداولة مألوفة فى الأدبيات اليهودية الصهيونية.
وجدير بالذكر أنه بعد إنشاء الكيان الإسرائيلى التفريغى الإحلالى الاستيطانى فى فلسطين، لم يهرع كل يهود العالم إلى أرض الميعاد (؟!) كما توقعت الصهيونية، وهو ما اضطر «بن جوريون» إلى ابتداع مصطلح سمى بمقتضاه الناكلين عن العودة بأنهم «منفيو الروح»، بزعم أن أرواحهم معذبة فى المنفى!!! وهى شطحة تتحداها وتدحضها ما تمثله الولايات المتحدة الأمريكية بالذات كنقطة جذب وارفة هائلة للغالبية الساحقة من يهود العالم!
براءة الشرق الإسلامى
من الظواهر اللافتة، أنه مع انطلاق الموجة الصهيونية من عباءة الفكر الاستعمارى الغربى، فإن الصفحات الدامية والويلات التى تجرعها اليهود، لم تكن من الشرق الإسلامى الذى يستهدفونه ويناصبونه العداء، وإنما كانت فى أوروبا المسيحية، مع أن المسيحية ديانة المحبة والإخاء والسلام.. فكل المآسى التى حاقت باليهود، جرت فى أوروبا، بينما بقيت الجاليات اليهودية تتمتع فى الشرق الإسلامى بكل الحقوق، وبزغ منهم فى الحضارة الإسلامية نجوم من العلماء والساسة فى جو من التسامح مجدول بقبول الآخر. لم تتكدر هذه العلاقة إلا بعد بروز مشروع الكيان الإسرائيلى الصهيونى التفريغى الإحلالى الاستعمارى الاستيطانى!. هذه المفارقة بين حال اليهود فى الشرق الإسلامى، وحالهم فى الغرب المسيحى واقع حاصل، رغم أن الخصوصيات أو الإشكاليات اليهودية واحدة هنا وهناك، ورغم أن الديانتين الإسلامية والمسيحية تتفقان فى روح الإخاء والتسامح؛ ويبدو أن الفارق يرجع إلى أن الإسلام لم يكتفِ بالدعوة إلى هذه المبادئ، وإنما جعلها شريعة لها أحكامها وضوابطها فى إطار منظومة محكمة تضمن سريان وإعمال المبادئ فى حيز التطبيق.
قد رأينا كيف أن الإسلام بلغ فى رعايته للأغيار، حد تأمين الكافر المستجير حتى يسمع كلام الله ثم يبلغه المسلم مأمنه. (سورة التوبة 6).. هذه الصورة ليست مجرد لوحة وردية جمالية، وإنما هى صدى لمنظومة كاملة عمادها المساواة والتسامح اللذان التأما مع باقى مبادئ الدوحة الإسلامية، ليوفرا للجميع بعالمية الدين ضماناً تُراعى فيه حقوق الإنسان دونما نظر إلى عرقه أو لونه أو جنسه أو دينه.. ولأن الأمر جاوز مجرد الدعوة إلى سن شريعة متكاملة، لذلك بقيت روح المساواة والتسامح سائدة حتى فى فترات الضمور أو التراجع أو الانحلال أو الاستبداد.. انطلقت هذه المنظومة فى رعاية الكافة، بمن فيهم الأغيار.