1- فى أعقاب هزيمة يونيو 1967 قالت رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك جولدا مائير: إن التسوية فى رأيى هى أن أذهب لأتسوق من الموسكى فى القاهرة أو سوق الحميدية فى دمشق دون أن يبدو الأمر مستغرباً.
كان هذا فى الوقت الذى ظنت فيه «مائير» بل والعالم أجمع أن مصر والوطن العربى يعيش لحظة الانكسار الكبرى، لكن سرعان ما استردت مصر عافيتها ووحد العرب صفوفهم وخرجت لاءات الخرطوم الشهيرة بأنه «لا صلح.. لا تفاوض.. لا اعتراف» وبدأت حرب الاستنزاف المجيدة التى توجت بعبور أكتوبر العظيم.
2- وعلى الرغم من توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وما تبعها من معاهدات فى إطار عملية التسوية، بقى حلم جولدا مائير فى الذهاب للتسوق من الموسكى أو سوق الحميدية عصياً على التحقق، وبقى العقل الجمعى العربى رافضاً لإسرائيل ويراها العدو رقم واحد للشعب العربى، وحظى رافعو لواء التطبيع مع إسرائيل بازدراء شعبى عربى عام.
3- فى الثالث عشر من يناير 2018 نشر المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» نتائج استطلاع للرأى أجراه بالتعاون مع مجموعة من المراكز فى 24 دولة بشأن قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وجاءت نتيجة الاستطلاع الذى أجرى على عينة بلغت 1519 مواطناً مصرياً فى الفئة العمرية من 18 سنة فأكثر، لتفيد بأن 93 فى المائة من المصريين يرفضون قرار الإدارة.
4- وفى ذات الاستطلاع وجه مركز «بصيرة» سؤالاً لأفراد العينة بشأن ما إذا كانوا يرون أمريكا دولة عدواً أم صديقة فأجاب 62 فى المائة بأنها عدو، وهى نسبة حسب المركز ارتفعت بعد قرار «ترامب»، حيث كانت فى استطلاعات سابقة أجريت فى مايو 2015 وأغسطس 2017 على النحو التالى: 56 فى المائة، ثم 38 فى المائة.
وبالنسبة لإسرائيل فقد انخفضت نسبة من يرونها عدواً من 92 فى المائة فى مايو 2015 إلى 79 فى المائة فى أغسطس 2017، ثم ارتفعت بعد قرار ترامب لتصل إلى 83 فى المائة.
5- وما نستخلصه من نتائج هذا الاستطلاع، الذى تشابهت نتائجه فى الدول العربية والإسلامية، أن العداء لإسرائيل وأمريكا فى الأوساط الشعبية يتزايد كلما اتخذت أمريكا قرارات تدعم بها إسرائيل, ومن هنا يمكننا أن نستنتج ببساطة أن إقدام الإدارة الأمريكية على الإعلان عما تسميه «صفقة القرن» سيؤجج مشاعر الغضب والكراهية فى صفوف الشعب العربى ضد إسرائيل وأمريكا، خاصة أن ما يتم تسريبه عمداً من الجانب الأمريكى بشأن تلك الصفقة لا يحمل سوى الانحياز المطلق لإسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة والمدعومة بقرارات أممية.
6- فى الأحد الماضى عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً غير عادى بناءً على طلب فلسطين لمناقشة تطورات الأوضاع فى القضية الفلسطينية فى ضوء مل يتردد بشأن صفقة القرن وما تقدم عليه إسرائيل بشكل شبه يومى من جرائم ضد أبناء الشعب الفلسطينى، وخرج الاجتماع بقرار يؤكد أن أى خطة أو صفقة لا تعطى الشعب الفلسطينى حقه فى دولته المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية مرفوضة ولن يكتب لها النجاح.
هذا القرار ينسجم مع ما طرحه العرب فى مبادرتهم للسلام ويتسق مع القرارات الأممية الخاصة بالقضية الفلسطينية.
7- إن انكفاء الأقطار العربية على ذواتها وانشغالها بأزماتها الداخلية لم يُنسِ الشعب العربى أن إسرائيل هى العدو رقم واحد، ويمكن لأى مشكك فى هذا الرأى أن يجرى استطلاعاً سريعاً فى أى محيط عربى ليكتشف صدق ما أقول.
8- إن المرحلة التى تعيشها الأمة العربية حالياً هى مرحلة صعبة بكل المقاييس، وليس من العقل أن يقدم العرب وتلك حالهم على أى اتفاق أو حتى الدخول فى مفاوضات فى ظل تلك المعطيات التى لن تصب بالتأكيد إلا فى مصلحة إسرائيل، ومن ثم فإن الإبقاء على رفض ما ستطرحه الإدارة الأمريكية واستمرار التأكيد على حقوق الشعب الفلسطينى هو الموقف الصحيح حتى يمكن تغيير المعادلة لتصبح أقل سوءاً.
9- إن ما يتم تسريبه عن الخطة الأمريكية يركز على مشروعات اقتصادية، وكأن الصراع المستمر منذ نحو ثمانية عقود يمكن أن يحل بحزمة مساعدات لينسى الشعب الفلسطينى حقوقه المسلوبة ودولته المحتلة وقدسه الشريف.
10- قد تكون الظروف صعبة والأوضاع سيئة لكن بالتأكيد كما قال أمل دنقل:
غداً سوف يولد من يلبس الدرع كاملة
يوقد النار شاملة
يطلب الثأر
يستولد الحق
من أضلع المستحيل
فلا تصالح ولو منحوك الذهب