أستاذ اقتصاد: قرار السيسى بزيادة الأجور والمعاشات «إنصاف جاء فى وقته».. ويمكن التخلص من معظم ديوننا خلال 5 سنوات
الدكتور محمد البنا، أستاذ الاقتصاد بجامعة المنوفية
قال الدكتور محمد البنا، أستاذ الاقتصاد بجامعة المنوفية، إن الموازنة الجديدة تحاول تدارك تبعات برنامج الإصلاح الاقتصادى، بزيادة مخصصات الأجور والمعاشات والخدمات الاجتماعية والاستثمارات الحكومية، مشيراً إلى أن «لولب الأجور والأسعار»، أى ارتفاع الأسعار بعد كل زيادة فى الأجور، ليس حتمياً، وأن زيادة التضخم من عدمها تتوقف على 3 اعتبارات؛ أولها مصدر هذه الزيادات، ثم معدلات الإنتاج، وقرارات البنك المركزى المتعلقة بالمعروض النقدى وسعر الفائدة.
د. محمد البنا لـ"الوطن": الموازنة الجديدة تحاول تدارك تبعات "الإصلاح الاقتصادى"
وأكد «البنا»، فى حواره لـ«الوطن»، أن مستويات الدين العام ومصروفاته لا تزال مرتفعة، لكن مشوار الألف ميل قد بدأ، داعياً الحكومة إلى إعادة النظر فى نظام التأمينات الاجتماعية والصحية.. وإلى نص الحوار:
كيف قرأت مشروع الموازنة الجديدة للعام المالى 2019/2020؟
- تقديرى أن توجهات الموازنة الجديدة تحاول تدارك تبعات برنامج الإصلاح الاقتصادى، والتزامات الحكومة تجاهه، وهناك 3 أبعاد من أبرز نقاط القوة فى الموازنة؛ أولها تأكيد مسئولية الحكومة والمجتمع تجاه الفقراء عبر زيادة مخصصات برامج الحماية الاجتماعية والفئات الأَولى بالرعاية، خاصة ما تضمنته الموازنة من زيادة فى اعتمادات الأجور والمرتبات والمعاشات.. أما البعد الثانى فيتمثل فى زيادة الاهتمام بالخدمات الاجتماعية، خاصة التعليم والصحة، وبرامج دعم الإسكان الاجتماعى، ليس لتتوافق مع الاستحقاقات الدستورية فحسب، رغم أهميتها، ولكن إدراكاً من الحكومة لأهمية الاستثمار فى البشر، حيث يسهم رأس المال البشرى، من خلال التعليم والتدريب والرعاية الصحية، فى تحسين الإنتاجية ورفع معدلات النمو، ومن ثم تحقيق زيادة حقيقية فى الدخل ورفع مستويات المعيشة، والبعد الثالث يتمثل فى زيادة الاستثمارات الحكومية لتصل إلى 140 مليار جنيه، عدا مصادر التمويل الذاتى للهيئات الحكومية، وهو أمر غاية فى الأهمية، خاصة ما هو موجه منها إلى قطاع الصحة والسكان لإنشاء وتطوير وتجهيز العديد من المستشفيات، ومراكز الإسعاف، والمنشآت الصحية الأخرى، فى إطار تطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل التى نأمل فى سرعة تطبيقها.
لكن مستويات الدين العام ومصروفاته لا تزال مرتفعة.
- هذا صحيح، لكن مشوار الألف ميل قد بدأ، ولو استمرت الحكومة فى هذا النهج بتخفيض عجز الموازنة ثم تقليل معدلات زيادة الدين العام، فإنه يمكن التخلص من جانب كبير من تلك الأعباء على المدى المتوسط، أى فى حدود 5 سنوات.
أصحاب المعاشات أكثر من تأثروا بالموجات التضخمية التى أعقبت تحرير سعر الصرف.. وتحسين أوضاعهم لا يُحل بعلاوات استثنائية تتحملها الخزانة العامة
ما تقييمك لقرار الرئيس بزيادة الرواتب والمعاشات؟
- قرار الرئيس بمنح جميع العاملين بالدولة العلاوة الدورية السنوية بنسبة 7% من الأجر الوظيفى، بحد أدنى 75 جنيهاً للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية، و10% من الأجر الأساسى، بحد أدنى 75 جنيهاً لغير المخاطبين بالقانون، يمثل إنصافاً للموظفين وأصحاب المعاشات جاء فى توقيته، وقرار الرئيس أيضاً منح علاوة إضافية استثنائية لجميع العاملين بالدولة بمبلغ 150 جنيهاًً، للعمل على معالجة الآثار التضخمية على مستويات الأجور، وتحريك الحد الأدنى لكافة الدرجات الوظيفية بالدولة من المخاطبين وغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية، بما يعكس تحسين أجور العاملين بالدولة، ومنح أصحاب المعاشات زيادة بنسبة 15% بحد أدنى 150 جنيهاً لقيمة الزيادة، مع رفع الحد الأدنى للمعاش لـ900 جنيه، هذه خطوة طيبة من قبَل الحكومة، خاصة أن ربط الأجور النقدية بالتضخم مسألة بديهية للمحافظة على الدخل الحقيقى، وتعويض التدهور فى القوة الشرائية لأصحاب الدخول الثابتة، وعلى رأسهم العاملون بالحكومة والقطاع الخاص وأصحاب المعاشات.
هناك دول أكثر فقراً وأقل تقدماً من مصر لديها نظم أفضل للرعاية الصحية.. وتحسين الصحة والتعليم أسرع طريق للشعور بالرفاهية
هل ننتظر مزيداً من الارتفاع فى الأسعار مع زيادة الأجور؟
- الإجابة عن هذا السؤال ليست بسيطة، فالأسعار لا ترتفع بالضرورة مع زيادة الأجور كما يتوقع البعض، ونشير فى البداية إلى أن تلك الزيادات فى أجور العاملين بالحكومة وأصحاب المعاشات كانت مستحقة، ويستحقها مثلهم العاملون بالقطاع الخاص، أما عن وجود مخاوف من ارتفاع الأسعار والدخول فيما يعرف بـ«لولب الأجور والأسعار»، حيث يطارد كلاهما الآخر، فذلك يتوقف على عدة عوامل؛ أولها: من أين ستمول الحكومة هذه الزيادات؟ هل من إيرادات ضريبية؟ فيحدث تحول من دخول بعض الأشخاص إلى الموظفين، وهذا لا يؤدى لارتفاع الأسعار بشكل حتمى ومباشر، أم من الاقتراض من البنك المركزى؟ وهو ما يغذى التضخم بطريقة مباشرة، أم سيكون على حساب بنود أخرى فى الموازنة؟ وهذه مسئولية وزارة المالية، ثانياً: زيادة الطلب لا تؤدى بالضرورة إلى ارتفاع الأسعار، ما لم تكن الزيادة فى المعروض من السلع والخدمات المتاحة أقل من زيادة الطلب، وهذه مسئولية قطاعات الإنتاج، ثالثاً: القرارات التى يتخذها البنك المركزى بشأن سعر الفائدة، والمعروض النقدى، هل يلجأ مثلاً لرفع سعر الفائدة لامتصاص فائض السيولة، ورفع نسبة الاحتياطى النقدى وتقييد الائتمان؟ وهذا أمر لا نوصى به.
ربط الأجور النقدية بالتضخم مسألة بديهية.. وزيادة الرواتب لا تعنى بالضرورة ارتفاع الأسعار والخدمات
لمَ طالبت كثيراً بإعادة النظر فى نظام التأمينات الاجتماعية؟
- وما زلت، فإنصاف أصحاب المعاشات، وهم أكثر من تأثروا بالموجات التضخمية التى أعقبت تحرير سعر الصرف الأجنبى مؤخراً، لا تُحل فقط بعلاوات استثنائية تتحملها الخزانة العامة، هؤلاء لهم استحقاقات عبارة عن مدخرات إجبارية تم دفعها وهم على رأس العمل، وليس للخزانة العامة أى علاقة بها سوى أنها اقترضتها بغرض تمويل عجز الموازنة، فى مقابل أذون خزانة وسندات خزانة، لكنها تتحمل دون داعٍ العلاوات المستمرة منذ الثمانينات وحتى اليوم، بسبب ما يعانيه القانون من خلل واضح حين اتبع أسلوب التمويل الكامل بديلاً عن التمويل عند الاستحقاق، الذى يعد سمة أصيلة فى نظم التأمينات الاجتماعية، وهو ما تنص عليه المادة رقم «8» والتى تهدر أبسط قواعد نظم التأمينات الاجتماعية، وكبدت الخزانة نصيباً كبيراً تدفعه سنوياً لأصحاب المعاشات حفاظاً على احتياطات ستظل كما هى وستزيد إلى ما شاء الله، يحرم منها أصحابها من المتقاعدين، وتحمل الخزانة علاوات دورية لن تتوقف، هذه المادة هى ما أوصلتنا إلى المحاكم، مخالفة بذلك كل نظم التأمينات الاجتماعية، وأسفرت عن بقرة مقدسة لا طائل من ورائها تسمى الاحتياطى الاكتوارى، الذى تلتزم به شركات التأمين الخاص.
هل استهداف الحكومة تحقيق نمو بنسبة 6% كافٍ لتحقيق تحسن ملموس فى معيشة المصريين؟
- بداية، هذا معدل جيد، ويعنى أن ما ننتجه من سلع وخدمات يزيد بنسبة 6%، لكن حتى ينعكس ذلك على حياة المواطن لا بد من أمرين؛ الأول: استمرار هذا المعدل لفترة لا تقل عن 10 سنوات متتابعة، والثانى: أن يصاحب هذا النمو تطبيق سياسات تضمن إعادة توزيع هذا الدخل للفئات متوسطة ومحدودة الدخل، وتبنى نظم جيدة للضمان الاجتماعى للفقراء الذين لا تقل نسبتهم عن 30% من الشعب.
نحتاج إلى 12 عاماً أخرى ليشعر المواطن بتحسن مستوى معيشته.. بشرط استقرار معدل النمو عند 6%
معنى ذلك أن المواطن لا يستطيع أن يشعر بتحسن فى دخله قبل نحو 10 سنوات.
- إذا احتكمنا فقط لنسبة النمو وهى 6%، فنحن نحتاج لـ12 عاماً حتى نضاعف متوسط دخل المواطن، لكن تحسن مستوى معيشة الناس لا يقاس فقط بارتفاع الدخل، فالدخل واحد من 3 عناصر أخرى تشكل مؤشر التنمية البشرية أو «مركب مستوى معيشة المواطن»، الذى يضم أيضاً الرعاية الصحية وجودة التعليم، فما جدوى ارتفاع الدخل مع تدهور الصحة والتعليم الذى هو سبيل الإنسان للمعرفة؟ وتعدد الخيارات والقدرة على اكتساب المهارات التى تؤهله لعمل يزيد من دخله، والحكومة أمامها فرصة لتحسين حياة الناس دون انتظار لسنوات طويلة من خلال تطبيق نظام صحى شامل.
هل الحكومة بدأت بالفعل فى ذلك؟
- نعم، ولكنها تسعى لتطبيقه على 15 عاماً، وهناك دول أكثر فقراً وأقل تقدماً من مصر، لديها نظم أفضل للرعاية الصحية.
من أين نموله؟
- من جيوب الناس.
هذا يعنى زيادة فى نسبة الاشتراكات وتحميل المواطن عبئاً إضافياً.
- المواطن يتحمل بالفعل العبء، وانظر كم يدفع المواطن من جيبه لصرف العلاج دون روشتة، وما نحتاجه هو نظام فعال وناجز، ونفس الشىء يرتبط بنظام التأمينات الذى يحتاج إلى إعادة نظر من الألف إلى الياء.