نجحت مصر فى إتمام واحدة من أهم مراحل التطوير السياسى بعد موافقة 88.8% من جموع الناخبين على التعديلات الدستورية، التى أقرها مجلس النواب، وعرضها للاستفتاء العام على الشعب.
ولعل هذه المرحلة ستكون بمثابة بداية جديدة لعملية إصلاح شاملة على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية.
فإذا وضعنا عنواناً مناسباً للفترة الماضية، سيكون «مكافحة الإرهاب، واستعادة شمولية مؤسسات الدولة، وتطوير البنية التحتية بالكامل»، أما عنوان المرحلة المقبلة فسيكون «بدء عملية إصلاح شامل نوعى».
وأتصور أنه لا بد أن يتكون هذا الإصلاح من عدة ملفات يتصدّرها ملف النمو السكانى، لأنه لم يعد من الرفاهية أن نضع حداً لهذا الانفجار السكانى الرهيب، الذى يلتهم أى زيادة أو نمو تحققه الدولة المصرية.
ويحد بشكل رئيسى من رفع مستوى معيشة المواطنين، نتيجة الضغط على الموارد، والخدمات، وارتفاع فاتورة الإنفاق، دون تحسّن نوعى فى جودة الخدمة، بما يؤثر فى النهاية على شعور المواطن بالتحسّن، ويدفع لمزيد من اليأس، وبالتبعية تراجع إنتاجيته وتراجع طموحه.
فرغم التراجع البسيط فى معدلات النمو السكانى خلال الفترة الماضية، فإن معدل النمو السكانى الحالى، الذى يدور حول 2.5% يعد كبيراً للغاية، ويحتاج إلى مزيد من التراجع خلال الفترة المقبلة، مع استمرار التحسّن فى النمو الاقتصادى.
وأتصور أن معدل النمو السكانى لا بد أن يدور حول 1.5%، وألا يقل معدل النمو الاقتصادى عن 4 أضعاف هذا الرقم، أى يدور حول 6%، حتى يمكن للمواطن ملاحظة التغير النوعى فى الخدمات، ومستوى المعيشة وتخفيف الضغط على الموارد المختلفة.
الملف الثانى الذى ينبغى أن تركز عليه الدولة فى أجندتها للفترة المقبلة هو ملف التعليم.
فنهضة أى دولة وتقدّمها مرتبطان بمستوى المعرفة والتعليم والثقافة فيها، وينبغى أن تعمل الدولة فى هذا الملف على أكثر من محور، الأول؛ محو أمية كل الأميين فى هذا المجتمع، والثانى؛ تطوير المناهج لتتلاءم مع متغيرات العصر الراهن، والتطور العلمى المذهل الذى حققته البلدان المتقدّمة والناشئة، وامتلاك العلم لأدوات قادرة على التأثير فى مختلف المجالات، والثالث؛ يرتبط بالمنافسة فى سوق التكنولوجيا والرقمنة.
وكذلك استقطاب تكنولوجيات جديدة، وتطبيقها على طرق التدريس التقليدية المتّبعة فى مصر، وتعزيز دور أدوات التعليم الحديثة وإعطاء مساحات أكبر لمجالات بعينها، مثل البرمجة والرقمنة والذكاء الاصطناعى والواقع الافتراضى، وغيرها من الأمور، التى أصبحت تشكل مستقبل العالم الآن.
الملف الثالث يرتبط بالصحة، وقد أنجزت الدولة الكثير فى هذا الملف الاستراتيجى، ونجحت الجهود الحكومية التى توجّهت خلف المبادرات الرئاسية فى تعزيز أداء المستشفيات الحكومية، وتطوير الخدمات الصحية، والحد من قوائم الانتظار.
وينبغى استمرار العمل المكثف فى هذا الملف، وتطويره، وإطلاق المزيد من الحملات التى تستهدف الاهتمام بصحة الفرد، والقضاء على الأمراض المنتشرة، ومنع انتشار الأمراض المحدودة.
الملف الرابع يتعلق بتطوير أحوال المرأة فى مصر، على كل المستويات، خاصة فى ما يتعلق بمشاركتها فى الحياة الاقتصادية والعملية، فلا بد من تقديم المزيد من الحوافز، حتى تخرج المرأة إلى العمل، وذلك بعد تهيئة الظروف الملائمة لها، وتشجيعها على الوقوف جنباً إلى جنب مع الرجل فى بناء الوطن، خلال هذه المرحلة الفارقة التى يتصدّرها شعار «أكون أو لا أكون»!
الملف الخامس يرتبط بدمج ذوى الاحتياجات الخاصة، الذين وصل عددهم إلى 15 مليون مواطن، فى المجتمع، وتعزيز مشاركتهم الاقتصادية والعملية، خاصة فى ظل امتلاكهم قدرات كبيرة وإمكانيات كامنة لم تُستغل بالشكل الكافى، بسبب مرور عقود من الإهمال وعدم التمكين وغياب الظروف المهيأة لعملهم وإنتاجهم.
ومن الملفات الاقتصادية البحتة التى ينبغى أن تتضمّنها عملية الإصلاح ملف السياحة، ليكون الملف السادس فى هذه العملية، فينبغى أن تهتم الدولة بشكل كبير بتعزيز عوائدها فى هذا القطاع الاستراتيجى، واستغلال إمكانيات مصر الضخمة، وصورتها الجديدة التى بدأ يراها العالم فى أزهى أشكالها لتجذب ملايين الزائرين من كل أنحاء الأرض، وزيادة متحصلات النقد الأجنبى من هذا القطاع.
الملف السابع يرتبط بضرورة تعزيز الادخار المحلى فى ضوء استهداف الحكومة معدلات استثمار عالية، حيث لا يتخطى معدل الادخار المحلى 8% الآن، مقابل نحو 14% قبل ثورة 25 يناير، الأمر الذى يُحد من توفير التمويل المحلى للاستثمار، ويضعنا فى مواجهة العالم، لجذب الاستثمار الأجنبى، فى ضوء بيئة إقليمية وعالمية غير مستقرة.
الملف الثامن يرتبط بضرورة تنمية الصادرات المصرية، باعتبارها المنفذ الرئيسى لتطوير الإنتاج المحلى، وجلب العملة الأجنبية التى ستُمكن من بناء الاقتصاد فى وقت أسرع.
فرغم توافر كل مقومات نمو الصادرات خلال الفترة الماضية، فإن مستويات الإنجاز كانت محدودة للغاية فى هذا الملف، بما أثار الكثير من التساؤلات!
هذه الملفات المتشعّبة تحتاج إلى مجهود ضخم، وعمل متواصل، وإحساس على أعلى درجة بالمسئولية، وتحتاج إلى تطوير أساليب عمل الوزارات، ووضع معايير أكثر دقة لرقابة الأداء.