هل يتخلى ملالى إيران عن طموحاتهم فى الشرق الأوسط أم يواصلون غيهم وهم واهمون أنهم أصحاب كلمة قادرة على فرض نفوذهم فى المنطقة كما سعوا منذ وصولهم لحكم إيران بدعم أمريكى وتسهيلات إخوانية؟
سؤال يطرح نفسه بينما تتشابك الخيوط على خريطة المنطقة التى تُتلى عليها القرارات الواحد تلو الآخر. ولكن يبقى للصوت المصرى الهادئ رسائله التى وجب الاستماع لها لتجنيب المنطقة نار حرب يسعون لإعادة إشعالها. ودعونا نقرأ بعضاً من تلك الرسائل التى تبوح ببعض من كواليس المشهد.
ففى 14 فبراير شهدت العاصمة البولندية وارسو قمة دولية برعاية «أمريكية - إسرائيلية» لمواجهة إيران، والاتفاق على ملامح دعم العلاقات مع إسرائيل. ولم يمثل مصر فيها إلا مساعد وزير الخارجية للشئون العربية، بينما كان الرئيس المصرى فى قمة ميونيخ للأمن بألمانيا. فى الوقت الذى أعلن فيه العرب دعمهم للجهود الأمريكية الإسرائيلية لمواجهة إيران!
وفى 24 مارس الماضى شهدت القاهرة قمة «مصرية - أردنية - عراقية» استعرضت، كما ذكر البيان الخاص، بها تطورات المنطقة، وأكدت أهمية التعاون والتنسيق الاستراتيجى بين الدول الثلاث، وكلنا يعلم أن العراق وبعد غزوها عام 2003 على يد القوات الأمريكية - البريطانية، ووضع دستورها الطائفى عام 2006 بات قرار حكومتها وثيق الصلة بطهران.
وفى 11 أبريل نشرت «رويترز» إبلاغ مصر للولايات المتحدة والدول العربية المعنية رفضها الانضمام إلى أى تحالف أمنى فى الشرق الأوسط لمواجهة إيران، كما لم ترسل وفداً لها لحضور اجتماع الرياض الذى اختص بمناقشة هذا الملف.
وفى 20 أبريل شهدت بغداد اجتماعاً لرؤساء برلمانات العراق وسوريا والسعودية وتركيا وإيران والأردن والكويت، للاتفاق على سبل مكافحة التطرف ودعم الاستقرار فى العراق، والحفاظ على وحدة أراضيه ووحدة نسيجه الاجتماعى، ودعم إعادة إعماره، وتشجيع فرص الاستثمار فيه. وقد سبقه يوم 3 أبريل زيارة سعودية رفيعة المستوى لبغداد، أعلنت فيها السعودية دعم العراق بمليار دولار وتوقيع عدد من الاتفاقيات.
ماذا يعنى هذا؟ يعنى أن القاهرة تدرك من جانب طبيعة النظام الإيرانى وعلاقته القوية بالإخوان وتقاطع اتصالاته السرية بالولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل منذ وجوده لتفتيت المنطقة حينما تصدر السلطة عام 1979. كما تدرك تلاعبه فى الخليج وتهديد أمنه بنشر ما سُمى بالثورة الإسلامية وحروب الوكالة فى اليمن وسوريا. كما تدرك علاقته بجماعات التشدد والسلاح فى غزة وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامى، وسعيه لإشعال نار بالقطاع الذى بات مصدراً لتهديد الأمن القومى المصرى، كما تدرك دوره فى لبنان عبر حزب الله المموَّل والمسلح من طهران.
تدرك مصر كل هذا وأكثر، ولكنها تدرك فى ذات الوقت ما آل إليه حال المنطقة من تشرذم واقتتال دمَّر بنية وشعوب عدد من دولها، ونشر ميليشيات الإرهاب من كل فئة وطائفة وتمويل. وتدرك ما يحاك لها من ترتيبات جعلت عنوان صفقة كوشنر، صهر الرئيس الأمريكى ترامب، منذ عامين مواجهة أمريكا لإيران مع العرب مقابل تنازلهم عن القدس، وهو ما دفع بخطوات سعودية كادت تهوى بالمنطقة فى الحضيض عندما تم احتجاز رئيس الوزراء اللبنانى فى المملكة فى نوفمبر 2017 وإعلانه ضرورة قطع يد «حزب الله» وإيران، لولا تدخُّل مصرى رفض إشعال المنطقة ورفض ما سمّوه بصفقة القرن، كما تدرك محاولات إعادة إنتاج سيناريو حرب العراق وإيران 1979 - 1988. ومن هنا تتجلى حكمة هدوء رسائل بلادى التى تصر على الحوار السياسى وتواصل العلاقات مع الجميع والتفاوض على الأمن وحماية الشعوب حتى ولو من نفسها، رغم ما تعانيه منهم وفى مقدمتهم إيران. ومن هنا يكون السؤال لملاليهم: «ماذا أنتم فاعلون؟».