د. شوقى علام: استدعاء التراث إلى الحاضر «عبث».. ولكل زمن فتاواه
د. شوقى علام يتحدث لـ«الوطن»
قال الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، إن تجديد الخطاب الدينى دعوة للعقلاء لمراجعة أنفسهم فى فهم كتاب الله والسنة، فكتب التراث ليست مقدسة، ومن العبث استجلاب التراث بتفاصيله إلى زماننا الحاضر ليضع حلولاً للمشكلات. وأكد «علام»، فى حواره مع «الوطن» أن الفكر الأشعرى ساعد على تشكيل الشخصية المصرية على مدار عقود وحفظ عموم المسلمين فى المشرق والمغرب من المناهج الاعتقادية المتطرفة، وأن الشريعة الإسلامية مطبقة فى مصر، والداعون لعكس ذلك يحاولون دغدغة مشاعر الناس بحق يراد به باطل، فالبعض اختزل الشريعة فى تطبيق الحدود، والقوانين الوضعية فى مصر فى مجملها لا تختلف عن مقررات الشريعة الإسلامية.
يدخل المؤمن رمضان بقوة وإصرار ما يلبث أن يفتر وتفرغ المساجد.. ما سبب الفتور الروحانى؟
- على الإنسان المسلم أن يحرص على التدرج فى الطاعات حتى لا يمل أو تقل همته، فكما قال النبى صلى الله عليه وسلم: «خير الأعمال أدومها وإن قل»، أى إنه إذا كان الشخص فى رمضان يقرأ جزءاً من القرآن يومياً ولا يستطيع أن يزيد بشكل مستمر عن ذلك فليحرص على أن يستمر فى قراءة هذا الجزء، وكذلك فى القيام فليحرص الإنسان على أن يداوم عليها ولو بثمانى ركعات، وهكذا فى كل الطاعات المهم عدم تركها نهائياً، ولنا مثال فى قصة الأعرابى الذى جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: يا رسول الله، ماذا أفعل؟ قال له: «صل خمساً، وصم رمضان، زك كذا، حج كذا». قال: هل علىّ غيرهن؟ قال: «لا». قال: والله لا أزيد ولا أنقص. فقال: «أفلح وأبيه إن صدق».
لرمضان أجواء خاصة جداً لدى كل إنسان، فما الذى يمثله للمفتى؟ وكيف تقضى يومك؟
- أحرص على أن أقوم بمهام عملى بشكل كامل دون تقصير، كما أخصص فى اليوم ورداً من القرآن الكريم مع تدبر معانيه والوقوف عليها، وعلى مدار اليوم كلما كان هناك وقت أملأه قدر الإمكان بالذكر والتسبيح لله سبحانه وتعالى، فذكر الله يجعل الإنسان فى معية الله، وبعد الإفطار وصلاة العشاء تكون صلاة التراويح التى هى فرصة عظيمة للاجتماع على الطاعة فى بيت من بيوت الله وتدارس العلم واللقاء مع الجيران والأصدقاء، وفى العشر الأواخر تأتى صلاة التهجد لنعمر ليلنا بذكر الله وطاعته، كما أحاول قدر الإمكان تخصيص وقت لزيارة الأقارب وصلة الأرحام خلال الشهر الكريم.
مفتى الديار المصرية: "من لا يتجدد يتبدد".. والرسول أوصى بالاجتهاد
بعض المساجد تشق على المصلين ويصر إمامها على صلاة التراويح بجزء كامل و١٢ ركعة بدعوى أن هذه هى السنة؟
- على من يقوم بإمامة الناس فى صلاة التراويح أو غيرها من الصلوات، أن يراعى حال المأمومين، ولا يشقَّ عليهم، وأن يرفق بهم، لأنه قد يكون من بينهم مريض أو كبير فى السن أو شخص وراءه بعض الأعمال، وقد أرشدنا النبى صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فى الحديث الذى رواه أبوهريرة أن النبى قال: «إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء»، وعن أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إنى لأدخل فى الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبى فأتجوز فى صلاتى؛ مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه»، وقد روى الإمامان البخارى ومسلم، عن أبى مسعود الأنصارى قال: قال رجل يا رسول الله إنى لأتأخر عن الصلاة فى الفجر ما يطيل بنا فلان فيها، فغضب الرسول، ما رأيته غضب فى موضع كان أشد غضباً منه يومئذ، ثم قال: «يا أيها الناس، إن منكم منفرين؛ فمن أم الناس فليتجوز، فإن خلفه الضعيف والكبير وذا الحاجة»، وقد اختلف العلماء فى عدد ركعات صلاة التراويح ويجب أن لا يكون محل خلاف فى هذا الشهر الكريم، وبعض العلماء قال إن عدد ركعات صلاة التراويح 20 ركعة ومنهم من قال 8 أو 36 ركعة، والسند وجمهور العلماء مع 20 ركعة، ولكن العبرة ليست بالكم وعدد الركعات ولكن العبرة بأثر الصلاة على النفس.
ماذا قدمت دار الإفتاء فى ملف تجديد الخطاب الدينى؟
- استهدفت دار الإفتاء قيادة قاطرة تجديد الخطاب الدينى فى مجال الفتوى التى تعد بمثابة رأس الحربة فى عملية التجديد، عبر تقديم النماذج الواقعية فى التجديد، وبخاصة بعدما أصبحت الفتاوى سلاحاً تستخدمه تيارات الدم والتخريب لشرعنة ممارساتها التى تخدم بها الأجندات الخارجية الممولة والداعمة لها، ولا شك أن لدينا عدداً من القضايا المعاصرة الهامة، التى تشمل المستجدات فى مجالات مثل الاقتصاد والسياسة والاجتماع والفضاء الإلكترونى وجميعها بحاجة للتجديد.
الإسلام السياسى زرع أفكاراً فى عقول المواطنين تحتاج لإعادة النظر فيها على مستوى العقيدة والشريعة.. كيف تواجهون ذلك؟
- تيارات الإسلام السياسى تسعى دائماً للسيطرة على عقول المنتمين لها ودغدغة عواطفهم من خلال استخدام الخطابات الحماسية، وتعبئة العواطف، لتصنع إنساناً يسطح الواقع، مهموماً فقط بأنشطة التجنيد والحشد والتجميع دون هدف ولا رؤية محددة إمعاناً فى ترسيخ مبدأهم «الجماعة قبل الوطن»، فهذه الجماعات المتطرفة غذت هذه الفكرة فى عقول الشباب المنتمين إليها ليصبحوا طيعين ويقبلوا أى فكر يدس فى عقولهم دون تفكير، خاصة أنهم كثيراً ما يغلفونه بغلاف دينى، وبالطبع هذا الفكر يغيب عنه المنطق السليم أو تقديم أى أفكار قابلة للإقناع، كما تغيب عنه مقاصد الشرع الشريف، من حفظ النفس، والعقل، والدين، والأموال والممتلكات، والنسل والأعراض، فهو فكر مبنى على الغطرسة والكبر وإهانة المخالف، ويغذى القلاقل والنزاع والتطرف، ومن ثم لا ينتج عنه سوى تيارات تتعدد أسماؤها ومظاهرها لكنها جميعاً تتفق فى تلك الأهواء، ولعل أبرز نموذج معبر عن هذه الحالة هو حسن البنا نفسه.
مقاصد الشرع غائبة عن "الإسلام السياسى" وهو مبنى على الغطرسة وإهانة المخالف ويغذى التطرف ويشجع أنصاره على الكذب وتهديد الأمن
كيف ذلك؟
- «البنا» اعتمد على خطابته وفصاحته، فى حين ندم فى نهاية عمره على عشوائية الفكرة الإخوانية، وليس ذلك فحسب، أيضاً تيارات الإسلام السياسى غذوا فى نفوس أتباعهم فكرة حتمية الصدام مع الدولة والنظام العام لها بدعوى أنها تخالف الدين والشريعة، وأن تقيض فكرة الخلافة فى الأمة التى يجب أن تطبق، وهو فكر مغلوط سيطروا به على عقول الشباب، أيضاً الكذب والتدليس من أجل تحقيق أغراض الجماعة من السمات التى تتسم بها تلك الجماعات، فهم يشجعون المنتمين إليها على الكذب والتدليس وإطلاق الشائعات من أجل زعزعة الاستقرار وتهديد الأمن العام.
علم الإسلام السياسى المواطن البسيط الاستعلاء بالدين وأن علاقتنا بالعالم هى السيطرة والتملك.. كيف يمكن مواجهة ذلك؟
- منذ بداية القرن العشرين وهناك محاولات لجعل الدين مطية ووسيلة للوصول إلى أمور تزعزع استقرار الدول والمجتمعات، إلا أن الإسلام يدعو دائماً إلى التعايش السلمى والحوار مع الآخر، والرسول أول من أسس فكرة المواطنة فى «وثيقة المدينة»، وهذه الوثيقة تحتوى على جوانب عظيمة تناولتها الكثير من الدراسات الحديثة، وفيها بعض الجوانب ما زالت بحاجة إلى العرض والدراسة، وقد سخر الله علماء الأزهر لتبقى الوسطية فى الإسلام ويبقى الاعتدال ويبقى الأزهر منارة للعالم كله.
البعض اختزل الشريعة فى تطبيق الحدود.. والقوانين الوضعية المصرية لا تختلف عن مقررات الشريعة
هل آية السيف نسخت آيات السلم والرحمة فى علاقاتنا مع الآخر؟
- المتطرفون شوهوا صورة الإسلام، بأفعالهم الشنيعة والإجرامية التى فاقت كل التصور، واستخدموا الآية الموجودة فى سورة التوبة والتى تقول «فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم»، وفسروها تفسيراً خاطئاً، وأطلقوا عليها آية السيف، وهو كلام لا يدعمه دليل، ولا يوجد فى القرآن الكريم لفظ السيف، وقد قام المتطرفون بتعميم هذا الكلام على كل الناس بقتل المشركين أينما وجدوهم، والآية تتحدث عن المشركين الموجودين فى مكة، ومع هذا، فجاء قوله تعالى فى الآية التى بعدها «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره»، وهذا دليل على أن الغاية العظمى للإرهابيين هى اللجوء إلى القتل والتدمير والتخريب، فتفسير القرآن يجب أن يتم فى إطار كلى متكامل، وفى إطار تاريخ وسيرة الرسول الكريم، ونلاحظ أن غير المسلمين كانوا موجودين فى مكة على عهد رسول الله، وأرسل النبى المسلمين إلى الحبشة وهى بلاد غير مسلمة، وفى عهده أيضاً لما قدم المسلمون المدينة كان هناك غير مسلمين كاليهود وغيرهم، فلم يأمر رسول الله بقتل كل أحد كما يفهم هؤلاء المتطرفون، فلم يقتل كل أحد إلا هؤلاء الذين ناصبوه العداء واعتدوا بالفعل.
«الحدود الشرعية» أداة ابتزاز من الإسلام السياسى.. كيف ترى ذلك؟
- الشريعة الإسلامية مطبقة فى مصر، ومن يدّعون عكس ذلك يحاولون دغدغة مشاعر الناس بحق يراد به باطل، بغية أهداف سياسية وأغراض دنيئة، فالبعض اختزل الشريعة فى تطبيق الحدود، بينما تضم الشريعة جوانب كثيرة، وتطبيق الشريعة فى مصر يتلخص فى 3 جوانب هى: وجود تنظيم شرعى لسلوك الإنسان، وتنمية الإيمان فى النفوس لردع النفس عن تناول الحرام، ووجود سلطة تطبق القانون وتمثل روح الشريعة، وهناك ثلاثة أمور أيضاً لو طبقت تطبيقاً صحيحاً لكانت كالضمانات، منها: شخص القاضى، والقوانين المطبقة، والرقابة على عمل القاضى فى تفسيره للنص، فالقوانين الوضعية فى مصر فى مجملها لا تختلف عن مقررات الشريعة الإسلامية، بل هناك رقابة من المحكمة الدستورية العليا التى هى حريصة على أن تكون القوانين مطابقة للشريعة وفقاً للمادة الثانية من الدستور الذى كان حريصاً على التأكيد أن مبادئ الشريعة المصدر الرئيسى للتشريع، وهى ضمانة كبيرة للقوانين التى تصدر عن السلطة التشريعية حيث يجب أن تلتزم بالشريعة وإلا قضت المحكمة الدستورية ببطلان القانون.
على المسلم أن يحرص على التدرج فى الطاعات حتى لا يمل أو تقل همته تطبيقاً لقول الرسول "خير الأعمال أدومها وإن قل"
نص القرآن صراحة على حد السرقة إلا أن «ابن الخطاب» أوقف الحد فى عام الرمادة مراعاة للظرف المجتمعى.. لماذا يتحجر البعض عند الحديث عن مواءمة المستجدات والنوازل ويرفضها؟
- التجديد ومراعاة الواقع والظروف المستجدة واجب شرعى وضرورة حياتية ووطنية وإنسانية؛ فمن لا يتجدد يتبدد، ومن لا يتقدم يتقادم، فلكل حادث حديث ولكل زمن فتواه، وقد أوصى الرسول الكريم صحابته بالاجتهاد، لإصدار أحكام تناسب الواقع، وهو ما يعرف عند العلماء بـ«النوازل»، كما أن هذا التحجر هو ما يدعونا للاعتناء بمسألة تجديد الخطاب الدينى الذى يعنى أن نأخذ من المصادر الأصيلة للتشريع الإسلامى ما يوافق كل عصر باختلاف جهاته الأربع: «الزمان والمكان والأشخاص والأحوال»، بما يحقق مصلحة الإنسان فى زمانه، وفى إطار من منظومة القيم والأخلاق، وعلى سبيل المثال لو تحدثنا عن حد السرقة فسنجد أن فى تطبيقه شروطاً حتى يخضع السارق للعقوبة الحدية وهى قطع اليد، فإنه ينبغى أن تتوافر فى جريمة السرقة شروط وأركان معينة فإذا تخلف شرط منها فإن السارق يعاقب تعزيراً حسب ما يقرره القاضى، ووفقاً لجسامة الجريمة وخطورة الجاني؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ادرءوا الحدود بالشبهات».
بعض الأئمة اتهموا الإمام البخارى بالضعف، كما اتهمه السلفيون فى الدين.. فلمَ كل هذه الحجية التى حظى بها صحيحه؟
- الإمام البخارى إمام مجتهد فى زمانه كعمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فى الصحابة، وهذه شهادة أئمة المسلمين فيه عبر القرون، وقد امتازت هذه الشهادة بالتنوع الشديد الذى يستحيل معه التواطؤ على الخطأ أو الكذب عادة؛ فقد أثنى عليه شيوخه وأقرانه، فهو من أكابر أئمة المسلمين المجتهدين فى الحديث والفقه، وبذلك يكون الطعن فى الإمام البخارى خروجاً عن المسلك العلمى، وشذوذاً عن المنهج الإسلامى.
هل تؤمن بتعدد أشكال التدين ووجود تدين شعبى وحركى يمثله الإسلام السياسى وتدين رسمى تعبر عنه المؤسسات؟
- الإسلام دين واحد ولا يوجد له أشكال ولا تعدد فيه، ويمكن أن نقول إن هؤلاء نجحوا فى اختطاف الخطاب الدينى، ورسخوا مفاهيم خاصة بهم لتحقيق أغراض سياسية بدعم جهات خفية وعلنية، واستخدموا الدين مطية لزعزعة استقرار الدولة، ونحن نعمل على إعادة الخطاب الدينى المختطف إلى حضن المؤسسات الدينية العريقة التى تقدم صحيح الدين، وفى سبيل ذلك لدينا فى دار الإفتاء استراتيجية واضحة نعمل وفقها تنتهج البحث والدراسة والتدريب، وذلك حتى تعود الأمور إلى نصابها الصحيح.
"فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" تتحدث عن "مشركى مكة" وليس كل الناس.. والقرآن الكريم ليس له "آية سيف"
وجود شباب يفجر نفسه فى الناس معتقداً أن هذا سبيله إلى الجنة والحور العين.. ألا يمثل ذلك إدانة صريحة للمؤسسات الدينية وعجزها عن الوصول للشباب؟
- الإسلام بتعاليمه أكد على حرمة الدماء، وخروج هؤلاء عن تلك التعاليم يدل على الفكر الظلامى العبثى للمنتمين لهذه الجماعات الضالة التى لا تعرف شيئاً عن المبادئ والأسس التى تقوم عليها الأديان، لا سيما أنهم يغررون بالشباب ويستخدمونهم وقوداً لعملياتهم وأغراضهم الخسيسة، ولأجل هذا فقد عمدت الدار إلى تحصين الشباب من موجة الأفكار الهدامة وأطلقنا عدداً من المنصات الإلكترونية لمحاولة إيجاد آلية جديدة للتواصل مع الشباب، كما ندعو كل المؤسسات المعنية بالشباب وأفراد الشعب بضرورة زيادة الوعى ومراقبة الشباب وتحصينهم من تلك الأفكار لكونهم صيداً ثميناً للجماعات المتطرفة، وعلى الأسرة المصرية مسئولية كما على المدرسة التى لا بد أن تقوم به فى تحصين أبنائنا وتوعيتهم ضد الأفكار المتطرفة، ولا بد أن تبنى هذه التربية على غرس القيم والأخلاق، كما أن الفضاء الإلكترونى يحتوى على الطيب والخبيث، والجماعات المتطرفة تحاول النفاذ من خلال هذا الخبيث إلى عقول الشباب ببث الأفكار الهدامة فى عقولهم، ولدينا بروتوكول تعاون بين دار الإفتاء ووزارة الشباب لإعداد جيل من الشباب أكثر حفاظاً على تعاليم الإسلام الوسطية.
ألا ترى أن تراثنا يحتاج لثورة لتنقيته ليواكب العصر الحالى؟ ومتى تتملكنا الجرأة لذلك؟
- التراث نتاج عقل تعامل مع النص والواقع، وأنتج نتاجاً كبيراً نفخر به ونعتز به، لكن من العبث استجلاب هذا التراث بتفاصيله إلى زماننا الحاضر ليتحرك فى أرض الواقع الحالى ويحكم هذا الحاضر ويضع حلولاً لمشاكله كما كان فى الماضى، فكتب التراث ليست مقدسة، والتنقيح بلا شك أصبح ضرورة وبحاجة إلى فن لإدارته، وما أقصده هنا هو التجديد لا الهدم، بمعنى تنحية الأفكار المتطرفة التى لا تتناسب مع روح الدين الإسلامى ووسطيته، فيجب أن نتصل بهذا التراث اتصالاً رشيداً عاقلاً وهادئاً يأخذ بضوابط هذا التراث وقواعده وأصوله ومناهجه ثم ينطلق من خلال ذلك ويعالج بعقل رشيد قضايا الحاضر، فالفتوى لا بد أن تراعى المصادر الشرعية والواقع المعيشى، وتكون سبباً فى الاستقرار وهداية الناس.
ما الفرق بين الفكر الأشعرى الوسطى والفكر السلفى المتشدد؟ ولماذا ينتشر الفكر السلفى بين شبابنا؟
- كل فكر صحيح هو عدو لفكر فاسد، والعلماء يتحملون دفع الفساد الفكرى، ونحن ننطلق من منهج رسول الله ومنهج الأئمة، ولا نمل التعليم والدعوة وتصحيح مسار الإفتاء تحت سقف المقاصد الشرعية الكبرى «عبادة الله وعمارة الأرض وتزكية النفس»، ولا شك أن الفكر الأشعرى، الذى هو منهج الأزهر الشريف على مر العصور، يرفض الانحرافات التكفيرية، ومن ثم حفظ عموم المسلمين فى المشرق والمغرب من المناهج الاعتقادية المتطرفة أو المختلة أو المشوهة، التى تحول صاحبها إلى عقلية منغلقة أو متهجمة تكفر الناس بسبب اختلافاتهم الفقهية، وساعد الفكر الأشعرى الذى انتهجه الأزهر على تشكيل الشخصية المصرية على مدار عقود. فى حين اعتمد أصحاب الفكر المتشدد على تكفير كل من يخالفهم، لذا أعلنا الحرب الفكرية ضد الأيديولوجيات المشوهة ونواجه التفسيرات المقززة للنصوص الدينية، وللأسف فى أحد الأوقات ساعدت الفضائيات كثيراً فى نشر الأفكار الهدامة والتشكيك فى كل فكر صحيح معتدل، فبثوا سمومهم فى عقول الناس، وغسلوا عقول الشباب تارة باسم السنة وتارة باسم الخوف من البدعة وتارة ثالثة باسم تنقية الدين مما يعتقدون أنها بدعة أو شركيات، وفى رأيى أن هذا الفكر لن يتم تقويضه إلا بالمعالجة والمواجهة الفكرية فهى السبيل الأمثل لمواجهة التطرف والإرهاب، وإذا كانت المسئولية الكبيرة تقع على رجال الدين فى تفنيد الأفكار ومحاربة الفكر المتطرف، إلا أن أجهزة الدولة والمؤسسات التربوية عليها عبء أيضاً.
أعلنا الحرب الفكرية ضد "الأيديولوجيات المشوهة" ونواجه التفسيرات المقززة للنصوص الدينية و"الأشعرى" ساعد على تشكيل الشخصية المصرية
الدراما تحولت لبلطجة وعنف وهبوط فى الذوق العام.. ألا يحق الوقوف أمام تلك المهازل؟
- الدراما يجب أن تقوم بدور هادف ومهم فى حماية المجتمع والأسرة، من خلال تقديم أعمال تحث على الفضيلة والقيم والأخلاق.
وماذا عن موقف الدين من الدعاة الذين يظهرون على الشاشات ويستغلون ذلك للتربح والحصول على أموال طائلة؟
- أعتقد أن قانون تنظيم الفتوى سيكون رادعاً لمثل هؤلاء، وعندما يصدر سيتم حل العديد من المشكلات التى تطرأ على الساحة، ومن ضمنها تنظيم الفتوى ومن يتصدر لها.
«مفهوم التجديد»
تجديد الخطاب الدينى يعنى الفهم الصحيح للإسلام والتدقيق فى معالجة النصوص الشرعية وإنزالها على الواقع المعاش، فالشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان وهذا عين الهدف من التجديد، فهو يوضح ثباتها ومرونتها وقدرتها على استيعاب التغيرات مهما كان تسارعها، دعوة للعقلاء لمراجعة أنفسهم فى فهم كتاب الله والسنة.