أحبوا الله سبحانه لذاته، فهو صاحب الفضل والنعم، يُطعم ويحيى ويميت، بيده الخير وهو على كل شىء قدير.. خالق الليل والنهار والهواء والماء والزرع والمطر والشمس والقمر.. أصل النور ومنبع الفعل فى الكون كله.. سبحانه.
لم أفهم يوماً هذه الخطب التى يتناولها خطباء المساجد والكنائس والمعابد، والتى تعتمد على الترهيب والترغيب لنشر الأفكار والديانات، والتى يغيب عنها -للأسف- معنى الإخلاص فى حب الخالق سبحانه لذاته.. فالبعض يخوِّفنا منه، أو يسوق الأمثلة ليقربنا منه، وكلاهما يغفل عن أن الله سبحانه يستحق الحب لذاته، ويكفى فقط تعديد مكونات الحياة الإنسانية ذاتها لنكتشف أن الله سبحانه يحب خلقه ويرعاهم ويحرص عليهم ويوفر لهم مقومات وسبل الحياة كلها حتى لو كانوا بعيدين عن الدين.
إن صانع الخلق تفضّل بقوته وعظمته ورحمته على كل مخلوق من خلقه، فأوجده وأحسن تشكيله وتكوينه وفق منظومة تكاملية تمثل دائرة الإبداع الخلقى، من المنشأ الضعيف، ثم بث الروح، فالميلاد، ثم النمو، فالاكتمال للقوة والعنفوان، ثم الضعف المتدرج إلى الموت والفناء المادى، مع الاحتفاظ الإلهى بالروح للبعث والحساب، ثم الحياة الأبدية.. وهذا الخالق العظيم لم ينتقص من مخلوقه، سواء كان بشراً أو زرعاً أو حيواناً أو طيراً أو جماداً، شيئاً إلا لغرض محسوب، ولم يضف لمخلوقه ميزة أو عطية إلا لسبب مفهوم.. وكلاهما -النقص أو الإضافة- يأتى فى إطار حركة دائمة سرمدية (كل فى فلك يسبحون) لتتشكل الحياة كلها من إبداع الله وحده.
إنها عبقرية الخالق، فهل تعلمون له شبيهاً؟ وهل تجدون لغيره خلقاً؟ وهل تعرفون غيره مصدراً للحياة؟
كيف لا نحب الله لذاته وكل أشكال الحب الأخرى ما كانت لولا كرمه وتفضله بخلقنا؟ هل كنت ستحب المال أو الزوجة أو الذرية أو السلطة إذا كنت عدماً لم يتفضل الله عليك ويخلقك ويزرع بداخلك القلب والمشاعر؟
أحبوا الله لذاته فتدركوا معنى الحب.. يا حبيبى يا إلهى، لك الحمد والشكر حتى ترضى، سبحانك يا لطيف يا الله.. ورمضان كريم.