من يقلب صفحات التاريخ، يجد أن النساء فى صدر الإسلام، كن مشاركات فى الحياة العامة والجيش، لكن تم إخفاء الكثير، وما تم تداوله ووصلنا انتقائى يتطابق مع رؤية ذكورية شديدة الرجعية، استخدمت تفسيراً مغلوطاً لأحكام عديدة لها علاقة بالمرأة، مثل الشهادة، التى يستخدمها الكثير للحد من قدرات النساء أو منعهن من الوصول إلى المناصب، وتم عمداً إخفاء أن النساء كن راويات حديث عن الرسول (صلى الله عليه وسلم)، أى سجلن أعظم وأخطر الشهادات عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد حدثنا «ابن سعد» فى طبقاته عن سبعمائة امرأة روين عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أو عن بعض أصحابه. و«ابن حجر» فى كتابة «الإصابة فى تمييز الصحابة» يُترجم سيرة ألف وخمسمائة وثلاث وأربعين سيدة من المُحدثات، ويشهد لهن بالعلم ويوثقهن.
وقد تم السطو على التاريخ، وإخفاء سيرة النساء عمداً، لتعانى الكثير من الفتيات والنساء من الكثير من أشكال العنف ضد الفتيات والمرأة والتمييز ضدهن، سواء فى المنزل أو العمل، وتقوم الكثير من الأسر والجهات بذلك، متأثرات بأفكار الجماعات الدينية فى مصر، التى تنشر أفكاراً عن المرأة، مثل أن صوتها عورة وشعرها عورة، وأنها مخلوق «نجس» فى فترة الحيض، وشخصيتها ضعيفة سهلة الانقياد، لذا فهى فى حاجة إلى الحماية الدائمة وفرض الوصاية عليها، بل وممارسة العنف ضدها، إذا تجرأت وطالبت بحقها فى أن تقرّر لحياتها المسار الذى تريده، وتعتقد الأسر والمجتمع أن ما يُقال لهم هو الدين، وأن عليهم اتباعه، الأمر الذى يحرم الفتيات والشابات من فرص عادلة فى الحياة، ويقيّد حركتها وحريتها وأحلامها.
وتقدم الجماعات الدينية، سواء السلفيون أو المتأثرون بهم، تفسيراً ذكورياً انتقائياً للدين وللتراث الإسلامى، فانتقوا منه ما يدعم رؤيتهم، وحجبوا ما لا يدعمها كما تم الخلط بين الدين وعادات الصحراء ما قبل الإسلام.
كما قاموا بتوظيف أصول الفقه بشكل غير دقيق وغير عادل، لأغراض غير دينية، لذا قرّرنا أن نعيد نشر سير نساء قمن بأدوار عظيمة فى الماضى، لنتعلم فى الحاضر والمستقبل، ألا نقع تحت إرهاب فكرى، ولكى نعرف قدرنا حق المعرفة، من هؤلاء النسوة نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول، الشهيرة بأم عمارة، التى شاركت فى غزوة أحد مع زوجها غزية بن عمرو وابنيها، قال فيها رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، يوم أُحد: «ما التفتُ يميناً ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دونى».
ثم شاركت أم عمارة بعد ذلك فى غزوة بنى قريظة. وفى سنة 6هـ، خرجت أم عمارة مع النبى محمد وألف وخمسمائة من المسلمين لأداء العمرة. وبايعت النبى مع من بايعو بيعة الرضوان على الموت، وهى البيعة التى نزل فيها الوحى بقوله تعالى: «لَقَدْ رَضِىَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً»، كما قال النبى محمد عمن بايعه يومها: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ بعدئذ صلح الحديبية الذى عُقد بين المسلمين وأهل مكة بعد عودة عثمان. ثم حضرت مع النبى محمد عمرة القضاء فى العام التالى.. كما قاتلت فى خيبر وعمرة القضيّة وغزوة حُنَيْن، ويوم اليمامة من الرسول إلى عمر بن الخطاب، كانت مقاتلة عظيمة، ولم نسمع عنها مثل أخريات كثر..
وللحديث بقية..