بين أهلاً رمضان ومهلاً رمضان حياة كاملة، وهنيئاً لمن أدرك أسرار هذه الحياة، وعاش فيها مع الله ولله وبالله، وتجرد فيها عن كل نوازع الشر.. كما أن يوسف كان أحب الأولاد الأحد عشر إلى أبيه فإن شهر رمضان أحب الشهور إلى علام الغيوب، ارتد يعقوب بصيراً لما وجد ريح يوسف فصار بعد الضعف قوياً وبعد العمى بصيراً، وكذلك العاصى والمقصر على نفسه يرتد طائعاً إذا مسته روائح شهر رمضان ونفحاته وبركاته، إذ إن روح الإيمان تسرى إلى القلوب فى هذا الشهر الكريم سريان الكهرباء فى أسلاكها دون أن تراها ولكنك تشعر بأثرها وتعجب لها، المحروم حقاً هو الذى يملك لساناً لا يكل ولا يتعب، ولا يذكر الله فى يومه أبداً، المحروم حقاً هو الذى يعلم أن الليل يقارب 11 ساعة ورغم ذلك قد لا يصلى ركعتين طوال الليل، وقد لا يصلى الوتر، وكلاهما لا يستغرق خمس دقائق، حقن البنسلين لمرضى السكر لا تفطر، بخاخة الربو لا تفطر، حقن المضادات الحيوية لا تفطر، قطرات العين والأذن لا تفطر، المكياج لا يفطر، تحليل الدم لا يفطر.
«قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِى غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ» اقترح أهون الشرين ليصرفهم عن الشر الأكبر، ودرء أعلى المفسدتين بأدناهما، وكان هذا الاقتراح سبباً فى حياة يوسف وإنقاذ مصر من المجاعة، فلا تحقرن رأياً وسطياً يقارب إن لم يستطع السداد ويقبل المتاح من الخير إن لم يستطع إدراكه كله، حينما تتأمل حال المقاهى والمساجد تصدق قول الشاعر:
وفى المقاهى جموع لا تصدقها وفى المساجد لا تلقى سوى الهرم جمال الروح أن تبتسم، وجمال الأخلاق أن ترسم البسمة على شفاه الآخرين. قال تعالى «فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ»، فسرها ابن مسعود بقوله: قسماً بالله ما ظن أحد بالله إلا أعطاه ما يظن لأن الفضل كله بيد الله، فأحسنوا الظن بالله، يقول الرسول «صلى الله عليه وسلم»: «إن أعجل الطاعة ثواباً صلة الرحم»، ويقول عمر بن دينار «ما من خطوة بعد الفريضة أعظم أجراً من خطوة إلى ذى رحم ثوابها معجل فى الدنيا ونعيمها مدخر فى الآخرة».الداعية كالنحلة إن أكل أكل طيباً وإن أطعم أطعم طيباً وإن سقط على شىء لم يكسره أو يخدشه. إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر أين أقامك؟ فى الخير أم الشر، فى الطاعة أم فى المعصية، فى نفع الناس أم ضرهم، اللهم يا من سجدنا لك ولم نرك، ودعوناك ولم نرك، واستعنا بك ولم نرك، أحسن لقاءنا بك حينما نراك برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم خلقتنا فأحسنت ورزقتنا فأنعمت، وعلمتنا فهديت ثم عصيناك جهراً فغفرت وأذنبنا سراً فسترت، أظهرت منا الجميل وسترت القبيح، اللهم عاملنا بما أنت أهله ولا تعاملنا بما نحن أهله، فأنت أهل التقوى وأهل المغفرة، ونحن أهل العصيان والغفلة والتقصير، من أجمل الأمثال الفرنسية «ابدأ صباحك بمن تحب ليكون صباحك كما تحب»، قال الشافعى «أشد الأعمال ثلاثة: الجود من قلة، والورع فى خلوة، وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف»، يقول الفضيل بن عياض: «إنما يهابك الخلق على قدر هيبتك لله».. كل عام وأنتم بخير.