يواجه العرب ثلاثة مشروعات إقليمية مضادة، تهدف إلى تقسيمهم وزعزعة استقرارهم: مشروع إسرائيلى صهيونى، ومشروع تركى يدعم الإسلام السياسى السنى، ومشروع إيرانى يسعى لقيام دولة ولاية الفقيه من خلال مشروع إسلامى سياسى شيعى، والثلاثة غرضها نشر الفوضى فى مصر وإسقاط المؤسسات، خاصة الجيش، وتقسيم السعودية وسقوط العائلة المالكة، وسقوط الاتحاد فى الإمارات، ولا ننسى التصريح الذى أدلى به السفير الإيرانى عادل الأسدى عام 2008م ونقلته صحيفة «جلف نيوز» وقال فيه: «إن لدى إيران شبكة من العملاء والخلايا النائمة فى دول الخليج العربى مستعدة لزعزعة استقرار الدول إذا اقتضت مصالح إيران ذلك».
وهنا تبرز أهمية إدراك ذلك ببلورة رؤية سياسية فى مواجهة المشروعات الثلاثة، وبلورة رؤية فكرية موازية، ويعنينى هنا الرؤية الفكرية فى مواجهة إيران، وقد تحدث الدكتور محمد السعيد إدريس فى بحث له صادر عن مركز الأهرام للدراسات، بعنوان: «إيران فى الإدراك السياسى العربى.. مصدر تهديد أم حليف استراتيجى؟!» فقال إن: «التهديدات العسكرية (الإيرانية) هى الأوضح فى إثارة الاهتمام لدى الدول»، لكن يظل المدخل الفكرى أو الإدراك الفكرى له أهميته القصوى فى مواجهة المشروع الإيرانى، لأن التهديد الإيرانى منه العسكرى، ومنه السياسى، ويحرك ذلك الفكرى الطائفى المذهبى.
فى جانب المواجهة الفكرية صدر كتاب: «الفقيه والدين والسلطة.. جدلية الفكر السياسى الشيعى بين المرجعيتين العربية والإيرانية»، ليسهم بجدية فى مسألة الإدراك الفكرى والأيديولوجى، وهو كتاب تفكيكى يعيد التشيع العربى كقوة مركزية فى مواجهة التشيع الصفوى والفارسى، والكتاب صادر عن «مركز الخليج العربى للدراسات الإيرانية»، وألفه المفكر السعودى المعروف الدكتور محمد السلمى، رئيس المعهد الدولى للدراسات الإيرانية، والباحث المصرى الدكتور محمد الصياد، مسئول وحدة الدراسات الفكرية بالمعهد.
ولأهمية هذا الإدراك الفكرى يؤكد الكاتبان أن التطلعات الإيرانية تجاه المنطقة العربية لا يمكن فهمها عبر التحليلات السياسية فقط، بل لا بد من دراسات فاحصة تفكك الفلسفة، وترصد المقولات والأصول التى ارتكزت عليها الدولة الإيرانية منذ نشأتها على يد الخمينى، وجذورها الفقهية والفلسفية فى فضاء الفكر الشيعى والفارسى، إذ لا يمكن فهم التحرك الإيرانى السياسى على أنه تحرك جزافى، بل هو تحرك قائم على الأيديولوجيا والفكر، وقل مثل هذا فى التنظيمات المماثلة.
والكتاب يوضح أن الفكر السياسى الإيرانى كان عابراً للحدود، لأنه صادر عن مراجع باسم المذهب الشيعى، ما أوجد حالة جدال بين مراجع الشيعة فى الداخل والخارج، بين من ينبذ النظرية السياسية الإيرانية، ومن يتبناها لكونها تعبر عن حركية إصلاحية فى بنية المذهب، وأن هذا الحراك الفقهى والسياسى يُعد مرتكزاً قوياً وفلسفة موجهة إلى الساسة الإيرانيين، ومن ثم فإن دراسته وسبر أغواره يعد فهماً لفلسفة السياسة الإيرانية المعاصرة، ومعرفة محدداتها الاستراتيجية، ومواقع نفوذها وتطلعاتها.
وإن كتاب «الفقيه والدين والسلطة» تأتى أهميته من سعيه لتفكيك التركيبة البنيوية لمؤسسة ولاية الفقيه وعلاقتها المستقبلية والتاريخية بالمؤسسة الدينية الشيعية داخل وخارج إيران، وهذا ضرورى لصانع القرار العربى، إذ يُمكنه فهم السلوك الإيرانى ودوافعه المذهبية والفكرية، وبالتالى يعى كيفية المواجهة.
وأخيراً فإن «المعهد الدولى للدراسات الإيرانية» ومقره «الرياض» ويرأسه الدكتور «محمد السلمى» ليسد ثغرة مهمة، ويضطلع بدور حيوى فى تفكيك المقولات والتأصيلات والنظريات والأصول الفلسفية والفكرية التى تستند إليها إيران فى خطابها السياسى والدينى، ويقف المركز فى مواجهة الإسلاميين الشيعة الذين تحصنهم إيران فى المنطقة، وهذا لا يقل بحال عن جهود المواجهة المبذولة ضد الإخوان والإسلاميين السنّة. وأتمنى من القائمين على المعهد عمل تلخيص وتبسيط لهذه الدراسة وغيرها من الدراسات، أسوة بما تفعله بعض المراكز البحثية اليوم، لتقدم فى صورة مطويات سهلة التناول، توضع بين يدى طلبة الجامعات، ليعى الشباب العربى موضع الخطر، فيحذروا منه، وليس الحذر للأكاديميين وحدهم.