اعتادت الصين فى السنوات الأخيرة تنظيم زيارات لممثلى الأحزاب المصرية لاستعراض تجربتها الاقتصادية اللافتة، التى تعد معجزة بكل المقاييس، وفى إحدى تلك الزيارات، وخلال لقاء مع أحد القادة المهمين فى الحزب الشيوعى الحاكم، وقف رئيس حزب مصرى متفذلكاً -والفذلكة لفظ عربى صحيح أوردتها المعاجم بمعنى مُجمَلُ ما فُصِّلَ وخلاصته- مطالباً الصينيين بالديمقراطية وإطلاق الحريات السياسية، وفيما كان يستعرض ما حفظه من معلومات وبيانات أوردتها منظمة «هيومان رايتس ووتش»، وغيرها من المنظمات الغربية حول الحريات وأوضاع حقوق الإنسان الصينى، فجأة ضرب القائد الصينى بكلتا يديه على طاولة الاجتماعات -خروجاً عن الهدوء الصينى الشائع- وتلاشت ابتسامته الدبلوماسية التى لازمته منذ بداية الجلسة، وبحدة واضحة، وصوت زاعق، وجه كلماته لرئيس الحزب المصرى قائلاً: لن نسير على هوى أحد، ونحن أعلم بظروفنا داخل بلادنا، ونموذج الديمقراطية الذى يريد الآخرون فرضه علينا لا يناسبنا، ولو خضعنا لإملاءات الغرب لما تقدمنا خطوة واحدة للأمام.
وقد يخطر على بال أحد أن يسأل، وبماذا رد رئيس الحزب المصرى على المسئول الصينى؟ أقول لك.. لاذ بالصمت تماماً، واكتفى بمتابعة النقاشات التالية على مدى أيام الزيارة.
هذه الواقعة التى حققت نسبة تداول «شفهى» على مدى أيام وأسابيع بعد عودة رؤساء وممثلى الأحزاب إلى مصر، وبقدر ما تندر بها البعض، كانت أيضاً مدخلاً لحوارات متعددة، حول مدى الارتباط بين التقدم الاقتصادى وارتفاع معدلات النمو، والالتزام بالمعايير الغربية للديمقراطية، وتابعت مناقشات قيمة بين مجموعة من الأصدقاء تمت خلالها المقارنة بين تجربتى كل من الهند والصين، وفيما تمسكت الهند بتطبيق الديمقراطية خاصة فى الانتخابات البرلمانية كما يقول الكتاب، فإنها لم تحقق ما حققته الشمولية والمركزية المطلقة فى الصين، الفارق شاسع بين التجربتين، الديمقراطية القاصرة على الانتخابات وتداول السلطة والتمثيل النيابى لم تنجح فى مواجهة الفقر، ورفع مستوى المعيشة، وفى تحقيق مستوى عال من النمو مقارنة بالصين، هناك الآن ومنذ سنوات أفكار جديدة عن فشل الديمقراطية فى حل المشكلات الاجتماعية مع التنمية.
فى رأيى أن ما حققته الصين من إعجاز اقتصادى فى سنوات قليلة، وما صاحبه من رفع مستوى معيشة الصينيين فى الريف قبل الحضر، وانتشال مئات الملايين من تحت خط الفقر، وخفض نسبة الأمية، والاهتمام بالرعاية الصحية والتعليم، كل ذلك أعطى المسئول الصينى الثقة اللازمة لرد الهجمة على رئيس الحزب المصرى، الذى تخيل أنه يمكنه تعليم التنين الأصفر الديمقراطية كما يريدها الغرب، وكما تصور الأمريكيون أنهم قادرون على فرضها هناك، عبر ثمانية رؤساء بداية من ريتشارد نيكسون الذى قام بزيارة تاريخية للصين عام 1972 بعد سنوات من المقاطعة بين البلدين، واستقبله خلالها الزعيم التاريخى ماو تسى تونج، وهذا ما سيتناوله الجزء الثانى من المقال.. إلى اللقاء.