لست من أنصار الهجوم على إعلانات المؤسسات الخيرية على تنوعها فى بلادى، لجمع التبرعات اللازمة للإنفاق على مجالات عملها، فما يقال عن سعر الدقيقة الإعلانية المبالغ فيه على وسائل التواصل الاجتماعى لا يدخل إلا فى إطار التحدث بلا معلومة جهلاً فى شأن يضمن به صاحبه حصد علامات الإعجاب، أو فى إطار التحدث للإضرار العمدى بمؤسسات العمل المدنى الخيرى فى بلادى، التى تقوم على التبرع لتوصيل خدماتها لمن يحتاجها.
فحسب تصريح سابق للأستاذ محمد جودة، نائب مدير عام شركة ميديا لاين، فإن إعلانات التبرعات تأتى فى المرتبة الثالثة بعد العقارات وأنواع الأطعمة والمشروبات، ويتزايد حجمها فى شهر رمضان، بنسبة 15% عن باقى العام، وأن إعلانات التبرعات تصل إلى نحو 35% من إجمالى الإعلانات خلال شهر رمضان، وهو شىء منطقى، حيث يفضل معظم المصريين إخراج صدقاتهم وزكاتهم فى الشهر الكريم، كما أن سعر الدقيقة الإعلانية لا يصل إلى حاجز الأصفار الستة كما أشيع، ولكنه يتراوح بين 16 و40 ألف جنيه، وتصل نسبة الخصم لإعلانات المؤسسات الخيرية إلى 80%، وأهمية تلك الإعلانات معروفة لدى العاملين فى المهنة، بمنطق اصرف جنيهاً على الإعلان يرتد لك 10 جنيهات، وهذا الأمر ليس قاصراً على مصر من دون العالم ولكن كافة مؤسسات المجتمع الأهلى تعتمد على مثل تلك النوعية من الإعلانات لكسب المزيد من التبرعات لها، ولكن..
دعونى أعترف أننى لم أتحمل إعلان التبرع لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق، نعم يضيق صدرى وأشعر بالهلع على أبنائى ومن فى أعمارهم وأسارع بإغلاق الصوت أو تغيير القناة كلما تم عرض الإعلان، نعم أعترف أننى لا أتحمل مشاهد الإعلان بكل مآسيه، بدءاً من إمساك النيران بستارة منزل أسرة تحتفل بعيد ميلاد طفلتها الصغيرة، مروراً برفض مستشفيات تقبلها لعدم وجود إمكانيات انتهاءً بدموع الأم وهى تحتضن طفلتها الصغيرة لا تعرف أين تذهب بها فتجلس على الأرض عاجزة.
حادثت الصديقة العزيزة هبة السويدى فى الأمر ودار بيننا نقاش طويل سعيت فيه لإقناعها بضرورة تغيير تلك المشاهد المؤلمة الموجعة القابضة للقلب والروح، وتقديم الأمل فى إعلانات تظهر علاج الأطفال الذين تم شفاؤهم من الحروق حتى يأتى الإعلان بنتيجته، بدلاً من تلك المشاهد المؤلمة المنفرة.. وما كدت أفعل حتى انفجرت العزيزة هبة السويدى باكية.. وقالت لى: «العام الماضى فعلت ما تتحدثين عنه ولم يقتنع الناس بالتبرع لإنهاء المستشفى الذى نسعى لأن يكون لعلاج الحروق للجميع، هل تعلمين أننى يتضاءل حزنى وألمى ووجعى على فقدان ابنى ومفارقته الحياة أمام بكاء أم عاجزة عن إيجاد مكان مناسب لعلاج طفلها أو طفلتها من حرق أصابه؟ هل تعلمين أن أطفالاً لا يجدون أماكن للعلاج من الحروق فى المستشفيات العامة أو يصابون بالعدوى نتيجة عدم الاهتمام فيكون مصيرهم التشوه مدى الحياة أو الموت؟ تعالى يا نشوى وعيشى معايا لحظات العجز التى أعيشها أمام كل حالة تقع فى طريقى، تعالى لتكتبى للناس عما يحدث فى الواقع فيعلمون أن الصورة المنفرة على الشاشة فى ثوانى الإعلان، ما هى إلا أقل القليل من وجع الواقع وألمه لتلك الحالات، أرجوك أن تشرحى للناس أن علاج الحروق ليس بسيطاً ولا رفاهية ليتبرعوا ويساعدونا لإنهاء ألم المصابين قبل وجعهم من الإعلان».
انتهى النقاش بيننا بإرسال هبة لى على الواتس اب صوراً لحالات من الواقع لا من الإعلان ممن تتولى متابعة حالاتهم، وأصدقكم القول أننى لم أستطع مشاهدتها من قسوتها، لأدرك أن الإعلان الصادم الموجع بالفعل لا يعبر إلا عن واقع أشد إيلاماً، فرفقاً بمؤسساتنا الخيرية ورفقاً بأهل مصر.