بمعايير عالم الإعلام وعند إنتاج المادة التليفزيونية تلجأ شركات الإنتاج والقنوات التليفزيونية إلى استطلاع رأى السوق، عبر استبيان نسب المشاهدة التى تقوم بها شركات مختصة) تعرض أرقاماً وإحصاءات حول نسب المشاهدة وقياس مدى تفاعل الجمهور مع المواد التليفزيونية، ليستطيعوا تحديد أى النجوم أهم! وأى نوعية درامية أو برامجية تجذب انتباهه وما هى ساعات البث المناسبة؟ إلى آخره من عناصر ضمان نجاح المادة التليفزيونية، وكسب عدد مشاهدين أكثر مما يترجم إلى عائد مادى.
الفكرة التى باتت سائدة هى أنه ما دمنا نملك نجماً تسويقياً أو فكرة نجحت فى سنوات سابقة أو اتجاه درامى معين أو نوع من البرامج قيل إنه ينال مشاهدات كبيرة، إذاً فهذا هو الخيار المضمون، وما دامت شارات البث تقول إن هناك مشاهدات إذاً فكل شىء على ما يرام. لم يعد المحتوى والقيمة والمعنى والهدف والتنوع يشغل بال صانعى المنتَج التليفزيونى، فامتلأت الساحة بكوميديا لا تُضحك أحداً ودراما خيال (غير علمى) ومسلسلات ذات أفكار مكررة (عن المرأة الأسطورة) أو (البلطجى الطيب)، أو برامج استهلاكية، لا تعود بنفع أو تسلية و(تُغضب الجمهور أكثر مما تمتعه).
العالم كله وقع بفخ (شارات البث وحصر نسب المشاهدات) مع أن أكثر فيديوهات «يوتيوب وفيس بوك وتويتر» مشاهدة، لا تعنى بالضرورة أهميتها أو قيمتها، لكنه أمر تجارى بحت، يتم عن طريق تفاصيل عديدة بعضها حقيقى وبعضها محتال، فليست كل بيانات المشاهدة من like وshare هى صحيحة.
لا أرى أن يتم التعامل مع المادة المقدمة تليفزيونياً كتعاملنا مع وسائل التواصل الاجتماعى، حتى إن كانت المنافسة شرسة، يجب أن يظل هناك معيار وضوابط لشاشة التليفزيون.
المتعة لا تعنى التفاهة أو الإسفاف أو العنف أو التجاوز. الدراما والبرامج مرآة الواقع بالفعل، لكن لماذا يجب أن يكون واقعنا تافهاً ثقيل الظل!! بغير الاستثناءات طبعاً.
للناس فيما يعشقون مذاهب ولكل جمهور مزاج وذوق وفكر، ويجب إرضاؤهم جميعاً لكن ليس على حساب المحتوى والقيمة، حتى المادة الترفيهية التى تخلو من الجد يجب أن تقدم بشكل يحترم المشاهد دون إسفاف أو خفة دم مصطنعة أو فضائح (وألا يكون العذر دوماً هو نسب المشاهدة المرتفعة لهذه النوعية من البرامج).
أما عن أسماء الأبطال التى تسوق الأعمال التليفزيونية من خلالها فهل معايير اختيارها دقيقة دائماً؟! وماذا عن الرؤية الإنتاجية والرهان والتوقع؟! وإن كان ذوق وفكر الجمهور قد تشوه بسبب أو بآخر وأصابه عطب فى التذوق الفنى، هل يجب مجاراته! وتقديم المزيد مما يضيع أى أمل فى تقويمه أو تعديل مزاجه الفنى أو الارتقاء به؟!
يمكنك أن تقدم المتاح أو المطلوب جماهيرياً، ويمكن الاستسهال، ويمكن الإصرار على نوعيات معينة من المادة التليفزيونية، وغياب البعض الآخر، لكن لا يجب أن ننسى أن الفضاء الإعلامى متسع والقنوات كثيرة والريموت كنترول سيد الموقف، والمشاهد يمكنه بيوم وليلة الخروج دون رجعة خاصة أن البدائل موجودة.
إننا بحاجة إلى الجد والقيمة والمعنى، نحتاج التنوع بين العلم والثقافة والأخلاق بجانب الترفيه (حتى الترفيه نحتاجه بشكل محبب ومميز وممتع)، نحتاج التوازن والمغامرة أحياناً
ليكون عندنا منتج تليفزيونى يرضى جميع الأذواق ويعود بالنفع على صناع المادة التليفزيونية والمشاهد على حد سواء.
وبدلاً من أن تتحكم بالسوق الإنتاجية قوانين نسب المشاهدة وأسعار النجوم، فلتتحكم الحكمة والمنطق والارتقاء بذوق المشاهد والسمو بوجدانه.