ربما تعددت مشاكل الرعاية الصحية فى هذا الوطن على مر العصور.. وتراكمت مضاعفاتها لتصبح أزمة حقيقية يحتار الجميع فى العثور على حل لها.. ولكن يظل ملف الدواء هو العنصر الأكثر خطورة وتأثيراً فى المشكلة كلها مهما حاولنا تفكيكها أو التعمق فى جذورها..
فى البداية ينبغى أن نعترف بأن ملف الدواء فى مصر فى حاجة إلى نظرة شاملة.. فالدواء سلعة ذات طبيعة خاصة جعلت من الأمن الدوائى وتحقيقه هدفاً لكل دولة.. ومصر كان لها السبق عن كثير من دول العالم فى تصنيع الدواء منذ النصف الأول من الألفية الماضية.. وعلى الرغم من عراقة الأمر.. إلا أنها تعتبر من أكثر الدول التى لم يتحقق بها «الاستقرار الدوائى» حتى الآن.. وهو أمر لا يقل أهمية فى رأيى عن كل ملفات الأمن القومى المتداولة..!
وعلى الرغم من امتلاك مصر ما يقرب من ١٤٥ مصنعاً مرخصاً بالإضافة إلى عدد ليس بالقليل من المصانع تحت الإنشاء.. إلا أن كل هذا العدد لا يوفر سوى ٦٥٪ من احتياجات مصر من الأدوية المطلوبة.. الأمر يعود إلى تكرار تسجيل العديد من المواد الفعالة بأسماء تجارية مختلفة دون أى ميزة لأحدهم عن الآخر.. والسماح بتسجيل أدوية جديدة كل يوم بنفس المواد الفعالة دون أى شروط تجعل التسجيل قاصراً على سبيل المثال على الأصناف الجديدة فقط أو التى لا تحمل بدائل فى السوق المحلية مثلاً..!
لن أتحدث عن حال مصانع القطاع العام التى أثقلتها الهموم المتراكمة.. وانسحبت من السوق لتغطى أقل من ١٠٪ من احتياجات السوق بعد أن كانت تغطى أكثر من ٨٠٪ من ذلك الاحتياج..!
الأمر لا يحتاج لاختراع العجلة.. ولا يستلزم الكثير من التفكير أو التخطيط.. فالحل سهل ومتاح ولكن أحداً لم يفكر فى البدء فى تنفيذه حتى الآن لسبب لا أعرفه..!
الحل فى إعادة تقييم الأدوية المسجلة بالوزارة من جديد.. والتأكد من إنتاجها بشكل منتظم.. وإتاحة مهلة للشركات التى لا تمتلك مصانع للبدء فى بناء مصانعها الخاصة أو إغلاقها.
الحل فى منح قبلة الحياة لمصانع القطاع العام التى نادينا بها مراراً عن طريق إعادة هيكلتها بالشراكة مع القطاع الخاص أو بفكره بعيداً عن قيود البيروقراطية.. على أن يتم تقييمها بنظام الإنتاج المستهدف كما هو الحال فى معظم شركات الأدوية فى العالم..! الحل فى تشجيع التصدير خاصة لأفريقيا التى كانت تعتمد فى الماضى على الدواء المصرى بصورة أساسية قبل أن ينسحب لصالح الأدوية المقبلة من دول أخرى.. وقبل أن ينحسر التصدير بالكامل وتفقد مصر مصدراً حيوياً للعملة الصعبة.
ينبغى أن يتم توجيه الشركات المحلية نحو التصدير ليعود الدواء كإحدى أهم القوى الناعمة للدولة المصرية فى القارة السمراء.. فضلاً إلى كونه مصدراً جديداً للدخل القومى فى مصر.. مصدر قد يتخطى فى أرباحه الكثير من المجالات الأخرى..!
الاقتراحات السابقة وغيرها كثير ليست غائبة بكل تأكيد عن القائمين على ملف الدواء فى هذا الوطن.. ولكن أحداً لا يتحرك فيه للأمام حتى الآن لسبب لا أعرفه شخصياً.. ولا يعرفه أحد فى الأغلب..!
فهل آن الأوان لننظر له نظرة موضوعية؟.. هل سيهتم أحد أن يطلق شرارة البداية لتحقيق استقرار استراتيجى فى أحد أهم الملفات الشائكة فى القطاع الطبى؟
كلها أسئلة تحتاج إلى إجابات.. أتمنى ألا ننتظرها طويلاً..!