التخلى عن المعتقدات سبيل الحياة.. ذلك منطق العقلية الانتهازية. وهى تلك العقلية التى لا ترى منهجاً فى إدارة الحياة خيراً من منهج «الصفقة». فحياتها كلها صفقات فى صفقات، يحاول صاحبها فى كل مرة أن «يتشطّر» على غيره ليفوز بالمكسب الأعلى. وفى سبيل المكسب يصح أن يتنازل صاحب هذه العقلية فى مواقف، ويتشدّد فى أخرى، ويفوّت لغيره فى لحظة و«يقضم» رقبته إذا سنحت الفرصة. «الصفقة» هى مذهبه فى الحياة، والقدرة على التلون كالحرباء هى أخص مهارة تميّزه. والمسألة فى الأول والآخر نمط ثقافة تحكم الكثير من العقليات التى تربت فى حضن الانتهازية والطمع، ومن بينها العقلية الحاكمة لجماعة الإخوان. وكما كان هذا الأسلوب فى التفكير هو سر بقائهم واستمرارهم عبر ثمانية عقود، فإنه برز كسبب أساسى من أسباب فشلهم وانهيارهم بعد ثورة 25 يناير 2011.
دعونا نضرب مثلاً على ذلك. عندما أسس الشيخ حسن البنا «جماعة الإخوان» عام 1928، كان دائب الترديد لهاتين الجملتين: «لا حزبية فى الإسلام».. و«لسنا طلاب حكم». هكذا بدأت الجماعة، وعندما قامت ثورة يوليو 1952 بمعونتهم، أراد «المترفعون عن السلطة!» اقتسامها مع مجلس قيادة الثورة، ولم يمكنهم الضباط الأحرار من ذلك، فحاول الإخوان أكثر من مرة النيل من رموز الحكم، ضاربين بمبدأ «لسنا طلاب حكم عرض الحائط»، وترتّب على ذلك توجيه الكثير من الضربات الموجعة للجماعة طوال فترتى الخمسينات والستينات. ومع مطلع السبعينات عقدوا صفقة جديدة مع الرئيس السادات خرجوا بمقتضاها من السجون، وبدأوا العمل فى معيته وتحت مظلته، للقضاء على أصحاب الفكر الناصرى واليسارى، والمثير أنهم لم يتوقفوا خلال هذه الفترة عن خداع الناس من جديد، بعبارة «لسنا طلاب حكم»!.
وخلال الحِقب التالية، مارست الجماعة لعبة «الصفقة»، مرة كانت تصيب وأخرى تخيب. وقد بلغ بهم الأمر مبلغاً مضحكاً، خلال الأيام التى سبقت مظاهرات 25 يناير 2011، حين أعلنوا رسمياً عدم المشاركة فيها، وأخذت رموزهم تتحدث عن حرمة الخروج على الحاكم، لكن ما إن شعروا بأن موج الثورة يعلو ليغطى على كل شىء حتى بادروا إلى ركوبه، وانتهزوا الفرصة كاملة، وأنشأوا حزب الحرية والعدالة، رغم مقولة: «لا حزبية فى الإسلام»، ثم إذا بهم يقدّمون مرشحاً هو خيرت الشاطر، وعندما تم استبعاده دفعوا برئيس الحزب الذى أنشأوه الدكتور محمد مرسى، لينجح فى انتخابات كان أساسها التصافق (فى مرحلة التصفية مع الفريق أحمد شفيق) مع رموز التيار المدنى، متناسين -من جديد- قاعدة «لسنا طلاب حكم».. وبعد مرور ما يقرُب من عامين على ثورة يناير، اكتشف الجميع أن أسهل شىء لدى الإخوان هو التخلى عن المعتقدات، وأن الحقيقة الثابتة فى تاريخهم أنهم: «طلاب دنيا»!.