فى العلوم الهندسية، هناك تعبيرات لغوية تعبّر بصدق ووضوح وجمال عن حياتنا اليومية وعلاقاتنا المتشابكة ونفوسنا وقلوبنا السعيدة والتعيسة والمصابة والسليمة والساكنة فى مكانها بين الضلوع، والتى تسير على الأرض وراء الأحبة شوقاً وحنينا وحماية لها وغيرة عليها وذات الدقات المثالية والأخرى المتسارعة والثالثة المتكاسلة التى تعيق وصول الدماء (سر الحياة) إلى مجراها الطبيعى، فتصيبنا بأزمات يعجز الأطباء أمامها مهما كانت خبراتهم وأجهزتهم والشهادات التى حصلوا عليها والزمالات الملكية، عن إنقاذها. ويبدو أننا شركاء فى المعانى والتفسيرات والإيحاءات مع الهندسة والمبانى والرسامات وأدواتها وطرازاتها، القديم منها والحديث المصنّف كأثر تاريخى تحكى كل لمسة فيه ذكرى من الزمن الجميل، والحديث الباحث عن آخر صيحات الفنون المجنونة وناطحات السحاب، وكذلك ذو العمارة العابثة واللامعقولة والمدهشة. ومن أشهر تلك التعبيرات التى أحسست بها قريبة إلى بعض النفوس والقلوب التى التقيتها وتعاملت معها وشاركتها التجارب الإنسانية والحياة ولحظات الفرح أو الحزن بكل مسبّباتها ومعانيها، التى تظهر صفاتها وملامحها عارية تماماً من أى زيف (التصدع - التشققات - الانهيار - الترميمات - اختبارات التربة - المعايير الفنية - المبانى شبه الخربة - المبانى الخربة - نوع المبنى ومواد الإنشاء). وإذا كان علم الهندسة والبناء يتعامل مع المبانى بتلك الطريقة والمعانى فإن المقارنة السريعة تؤكد أن النفس البشرية هى الأقرب لتلك التعريفات، فالنفس هى الروح، كما أن لها أكثر من تعريف فهى الدم أو الجسد أيضاً. ويعرفها بعض علماء النفس بأنها ذلك النشاط الذى يميز الكائن الحى ويسيطر على حركاته كما أنها القوة الخفية التى يحيا بها الإنسان ويقول فريق آخر من علماء الطب النفسى إنها وظيفة العقل والجهاز العصبى أو محرك أوجه نشاط الإنسان المعرفية والسلوكية والعقلية. وقد تفاوتت تعريفاتها واختلفت من مدرسة إلى أخرى، فيقول الفيلسوف الفرنسى ديكارت إن النفس موجودة فى الدماغ، بينما يصنّفها أفلاطون بثلاثة أنواع «الشهوانية والعاقلة والمرئية».
وفى القرآن الكريم توضح لنا الآيات أن النفس كائن له وجود ذاتى مستقل، فهى الإنسان العاقل المكلف، الذى يتوقع من الخير أو الشر أو الهدى أو الضلال ثم هى الإنسان بجميع مشخصاته جسداً وروحاً. فيقول سبحانه وتعالى «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِى فِى عِبَادِى وَادْخُلِى جَنَّتِى» (الفجر ٢٧ - ٣٠) ويقول «إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّى» (يوسف ٥٣)، ويقول جل شأنه «وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ».
وفى الكتاب المقدس قال الله (لتعج المياه بنفوس حية ولتطير طيور فوق الأرض على وجه جلد السماء)، وقال (لتخرج الأرض نفوساً حية بحسب أجناسها بهائم وحيوانات دابة ووحوش أرض) (تكوين ٢٠ - ٢٤). وتشير كلمة نفس فى الكتاب المقدس إلى حياة الإنسان فقد قال يهوده لموسى (مات جميع الناس الذين يطلبون نفسك). وتؤكد الأيام والتجارب البشرية والعلاقات الإنسانية بجميع أنواعها أن كلاً منا يتكون لديه مفهوم النفس أو الذات والشعور بالتميّز والانفصال عن الآخرين فى سن تتراوح بين شهرين إلى ثلاثة شهور عندما يبدأ الطفل فى الإحساس بالعالم المحيط به، ومن تلك اللحظة يبدأ فى بناء نفسه وإعدادها ويقوم بتشييد البناء وقد يبدع ويؤسس ويتفوق فى تجميل المبنى أو قد يخرج به تشققات وانحناءات وكذلك ذو ألوان متنافرة، أو يكون مهدداً بالسقوط ويحتاج إلى ترميمات أو شدات يستند إليها فأدعو الله ألا تقعوا فريسة لأىٍّ من تلك النفوس الآيلة للسقوط، وأن تكونوا من أصحاب التكوينات الهندسية البديعة السليمة والأساسات القوية التى يعتمد عليها المحيطون بكم ويجدون لديها الحب والعطاء والعون والأمان والاستقرار.