أتصور أنه حتى الآن لم تحقق معظم القوى والجماعات أو التنظيمات التى تستعين بالخارج وتستقوى به على الإرادة الداخلية لمجتمعاتها السياسية أى إنجازات ملموسة وواقعية، وفى الحقيقة لم تعكس بالفعل فهمها أو حتى رؤيتها للمصالح الحقيقية لمجتمعاتها بقدر ما تجعل تلك الملفات مفتوحة على الدوام لا لشىء سوى أن تظل أداة للتنمر بعض الأحيان أو لتحقيق خريطة مصالح فردية غالباً وجماعية أحياناً دون فاعلية حقيقية للضغط على الحكومات من أجل قضايا إنسانية. لتظل لغة الاستقواء بالخارج حبيسة إطار محدد لا تخرج عنه. وكأن المقصود أن تكون لغة غير فعالة تستخدم ألفاظ إدانة واستنكار ومناشدات فاترة، مما يضعف تأثيرها. كما أن لهذه اللغة استعمالاً آخر يفصل بين من يعانى المشكلة وبين من يعملون لأجله. يقوم بها الوسيط بمواجهة المشكلة ويعبر عنها بأسلوبه ولغته، فتفقد دورها السوى وتفقد وظيفتها لتصبح معيارية.
كما يحدث أحياناً أن بعض الشخصيات العامة والكتاب والمفكرين من الداخل يستغل قضايا معينة تتعلق بحقوق الإنسان أو الطائفية ويبدأ فى الدفاع عنها فيكتسب شهرة وتأييداً كبيراً من مواطنى الخارج بتعبئة الرأى العام فى اتجاه دعم مثل هذه القضايا من خلال الكتابات الصحفية أو التصريحات الإعلامية الرنانة، ومن خلال هذه الشهرة الكبيرة يكون قد أصبح ممثلاً عن الآخر فى قضاياه الطائفية! وهذا بالتالى يضعف القيمة والمعنى للقضايا الحقوقية والطائفية، أى يحولها إلى سلعة لأنه يؤكد فكرة أن التوترات الطائفية التى تشهدها المجتمعات ناتجة عن احتضانها تنوّعاً دينياً وعرقياً واسعاً، وليس نتيجة حركة وفكر المتطرّفين فى المجتمع، وطبيعة هذا المناخ المجتمعى تؤصل لثقافة التمثيل الطائفى التى هيمنت على الحياة السياسية بدلاً من دعم التمثيل الطبيعى للمواطنين، مما يؤدى إلى ضعف قيمة بناء هويّة وطنية مشتركة، فى مقابل الاستثمار فى التجييش الطائفى السياسى وبالتالى إلى العنف المجتمعى غالباً.
وخلال مشاركتى مع مجموعة من الشباب العربى لنكون جزءاً من برنامج الزائر الدولى للولايات المتحدة الأمريكية، وهو برنامج تقوم به الحكومة الأمريكية كل عام فى عدة مجالات مختلفة لتبادل الخبرات مع القيادات الشابة من مختلف أنحاء العالم، بهدف التعرف على طبيعة الحريات الدينية وإدارة التنوع داخل المجتمعات الأمريكية من خلال زيارات أغلب المؤسسات المعنية بالحرية الدينية وإدارة التنوع، وأثناء زيارتى لوزارة الخارجية ومفوضية الحريات الدينية بواشنطن تم الحوار مع مسئولى ملفات الشرق الأوسط، وتحديداً مصر، وأدركت أنهم متابعون بشكل جيد جداً أغلب القضايا والأحداث فى مصر، وهذا ما جعلنى أتأكد من أن كل محاولات التدخل فى الشأن المصرى من الخارج مبنية على مصالح الدول وأهدافها وليس للدفاع عن قضايا الداخل مهما ظهرت عكس ذلك حاملة شعار حماية القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان فى الداخل وفى العالم. فنفس هذه الدول التى تستثمر فى حقوق الإنسان، تعمل على الاستثمار فيما يسمى بـ«الاستقرار».
وببساطة شديدة فإن من صميم مسئولية النخبة وقادة الفكر داخل المجتمع المصرى الاجتهاد لنشر وتأصيل قيمة ومبدأ المواطنة داخل المجتمع المصرى لتحقيق العدالة الاجتماعية وأيضاً التعبير عن الانتماء إلى الوطن، والارتباط الوثيق به وبتراثه وقيمه وتاريخه وثقافته ومقدساته، حتى تصبح من الأولويات، ويشمل الاهتمام أيضاً منظومة قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة المؤسسات، لتصبح بعد ذلك من صلب أيديولوجية العديد من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى عملاً وانشغالاً فكرياً وحتى أكاديمياً للعديد من الباحثين والخبراء فى العلوم السياسية والقانونية والاجتماعية.