لم تنشأ «الإخوان» كفكرة مصرية خالصة، وقد تستغرب إذا قلت لك إن الكثير من أفكار الجماعة لا تعود فى نشأتها إلى الراحل حسن البنا، رحمه الله، بل هى نبت «أفغانى» صرف، ترددت هذه الأفكار فى البداية على يد «جمال الدين الأفغانى»، ومنه انتقلت إلى الشيخ رشيد رضا، ليتلقفها الشيخ «البنا» بعد ذلك ويطورها ويؤسس حولها ما عُرف فيما بعد بـ«جماعة الإخوان المسلمين». وربما تكون قد سمعت أن جذور الأفكار التى رددها الأستاذ «سيد قطب» فى كتاباته المختلفة، مثل تجهيل المجتمع والحاكمية وغيرها، مستمدة من كتابات «أبوالأعلى المودودى» (باكستانى)!. ومن المعلوم بالضرورة أن عزل أية فكرة عن السياق الذى أنتجت فيه يعكس وهناً فى التفكير، وآفة كبرى من آفات العقل تظهر عندما يلجأ إلى استيراد أفكار منتزعة من سياقها ليهتف بتطبيقها فى سياق آخر مغاير.
فى اللحظة الأولى التى اختار فيها «البنا» اسماً للجماعة، كان هناك قرار بتهميش الإحساس الوطنى، وإعلاء الجانب العقائدى، فأطلق عليها اسم «الإخوان المسلمين»، ووصف المسلمين يعطى دلالة على الرؤية العنصرية التى بدأت بها الجماعة، إذ إنها تخرج المصريين غير المسلمين من تركيبتها، بالإضافة إلى إخراج كل من لا يتبنى فهمها الخاص للإسلام من دائرتها، ليس ذلك وفقط، بل إن تصنيف الأعضاء فى الجماعة -طبقاً لدرجة الولاء لفهم الإخوان للإسلام- إلى مجاهدين وعاملين ومحبين ونفعيين يعكس رؤية طبقية تظهر آثارها فى تركيبة القيادات التى تدير الجماعة!. وتحت ظلال هذه العنصرية والطبقية فى تصنيف البشر تغيب الوطنية المصرية وتتراجع إلى نقطة الظل.
هذا الإحساس تسرب للمصريين، بمجرد اعتلاء الإخوان للسلطة، وتفاقم هذا الإحساس أكثر حين رأى الشعب الإخوان ورئيس الإخوان ورئيس وزرائها يبكون شهداء غزة، فى حين لم تدمع عين أحدهم وهم يشاهدون جنازات شهداء المجندين من أبناء القوات المسلحة الذين ذهبوا ضحية الواقعة الإرهابية التى حدثت فى سيناء بعد أسابيع قليلة من تولى «مرسى» الحكم، لم ينخلع قلب أحدهم لقهر الآباء وتمزق قلوب الأمهات اللائى فقدن فلذات أكبادهن بتلك الطريقة البشعة، ثم تجرأ المرشد العام للجماعة «الدكتور محمد بديع» وخرج يهاجم مَن يرفضون دق خيام للاجئين الفلسطينيين فى سيناء، وأعلن صراحة أنه لا يمانع -وكذلك إخوانه بالطبع- فى توطين الفلسطينيين فى هذا الجزء من أرضنا!.
ولو أنك دخلت فى جدل مع أحد الإخوان حول هذا الكلام، فسوف يقول لك: إن أخى «الحمساوى» فى غزة أقرب إلىّ من جارى المصرى المسلم «غير الملتزم»، ولا يوجد شىء فى الإسلام اسمه حدود بين المسلمين، أرض المسلمين واحدة، والأرض أرض الله، ولا يوجد مانع فى أن يعيش الفلسطينيون فى سيناء حتى «يوسّعوا» على أنفسهم، ولا أن يأخذوا من بنزين مصر وسولارها حتى ولو عانى المصريون، فالغزاويون على خط المواجهة، وهم أولى بالدعم!. يفعلون ذلك، رغم ما علموه من سيرة النبى، صلى الله عليه وسلم، الذى كان يبكى وهو مهاجر من مكة، وودعها قائلاً: «والله يا مكة إنك أحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إلىّ ولولا أن أهلك أخرجونى ما خرجت».