عملية التطوير تبدأ بتطوير المضمون، ثم تنتقل للوسيلة أو الأداة أو الطريقة، وعلى الرغم من توافقى التام مع خطة تطوير التعليم التى وضعتها الحكومة من خلال الوزارات والجهات المعنية فإن لدىّ بعض الملاحظات على هذه الخطة، التى أتمنى أن تكون موضع اهتمام من صناع القرار.
أولاً، الاحتجاج المتواصل لأبنائنا طلاب الصف الأول الثانوى على نظام الامتحان الجديد باستخدام «التابلت» لا يمكن تجاهله، لأنه يعطى إشارة واضحة ومهمة إلى أن هناك نسبة من الطلاب لم يتقبلوا أسلوب التطوير الذى تم على المنظومة، وهذا الأمر قد يكون ناتجاً عن خلل فى التطبيق، أو خلل فى تهيئة هؤلاء الطلاب للتعامل مع المنظومة الجديدة، وفى كل الأحوال، هو خطأ يستوجب الوقوف عنده، وتحليل أسبابه.
ثانياً، تطوير المنهج أهم من تطوير أسلوب تدريسه، لذا كان يجب أن يتم إجراء تغيير شامل ونوعى فى طبيعة المواد الدراسية ومحتواها التعليمى، وتهيئة الطلاب لفهم وتقبل هذا المحتوى الجديد، على أن يتم نقلهم بعد ذلك لمرحلة جديدة من التطوير تتعلق بالأسلوب والطريقة التى يتم بها التدريس ويتم بها أداء الامتحان، فليس من المنطقى أن يظل أبناؤنا يدرسون النظريات التى بنت العلوم المختلفة، دون أن يعلموا شيئاً عن تطور هذه العلوم وإمكانياتها الحالية، ولا يجوز أن نسأل طالباً فى الصف الأول الثانوى عن مفاهيم باتت تحكم العالم الآن مثل الذكاء الاصطناعى، والأتمتة، والواقع الافتراضى، ونظم المعلومات، ولا يعلم عنها شيئاً بداعى أنها «خارج المقرر»!
ثالثاً، أنا متضامنة ومؤيدة بشدة لفكرة إنشاء كليات الذكاء الاصطناعى فى مصر، والتى بدأتها مؤخراً جامعة كفر الشيخ وأعلنت عن إنشاء أول كلية للذكاء الاصطناعى فى مصر، وتبعتها جامعات أخرى، ولكن لدى بعض التساؤلات التى تستحق الوقوف عندها.
هل لدينا بالفعل معلمون، أساتذة، ومدرسون، ومعاونو هيئة التدريس، قادرون على تدريس مناهج الذكاء الاصطناعى، وإطلاع الطلاب الذين سيقصدون هذه الكليات على تطورات هذا المجال عالمياً، وآخر مستحدثاته، وتمكينهم من المساهمة فى تطور الذكاء الاصطناعى عالمياً أو على الأقل التعامل مع المستويات المتطورة الحالية؟
إذا كانت الإجابة بـ«نعم» فستؤدى هذه الكليات لطفرة حقيقية فى منظومة التعليم فى مصر، وسنبدأ فعلياً فى اتخاذ خطوات سريعة للحاق بقطار الثورة الصناعية الرابعة الذى انطلق مدفوعاً بالتكنولوجيا والأتمتة والذكاء الاصطناعى، ولن يستطيع أحد إيقافه.
أما إذا كانت الإجابة بـ«لا»، فإننى أقترح أنه من الأفضل أن يتم إرجاء الدراسة فى هذه الكليات، وعدم قبول دفعات جديدة بها، حتى نقوم بإيفاد أعضاء هيئة تدريس لتطوير معرفتهم عن هذه المجالات فى الخارج، أو استقدام معلمين أجانب يعملون فى الأساس بهذه المجالات.
التساؤل الآخر المرتبط بنفس السياق، هل الطالب الحاصل على الثانوية العامة فى مصر من الشعبة العلمية للعام الدراسى 2018/2019 سيكون ملماً بالمبادئ التى ستكون أساساً للتدريس فى كليات الذكاء الاصطناعى الجديدة، أم سيتم الاعتماد على الكلية فى تقديم هذه المبادئ؟
لو كان التصور أن الكلية ستقوم بتقديم هذه المبادئ، وأعتقد أن هذا هو الاتجاه، فينبغى من الآن إجراء تغيير فى مناهج تدريس الثانوية العامة لشعبة «علمى رياضيات»، بهدف تهيئة الطلاب لاستقبال معلومات متقدمة فى مرحلة الدراسة الجامعية، حفاظاً على عدم إهدار وقت الدراسة الجامعية فى مبادئ كان من المفترض الحصول عليها فى السابق، لتكون المحصلة النهائية خريجاً من كلية الذكاء الاصطناعى المصرية، غير ملم بشكل كافٍ بأساسيات هذا العلم.
وهنا سنكون قد دوّنا بأيدينا «شهادة وفاة» لعلم كان من المفترض أن يولد، ونكون قد أعدنا قصة فشل التعليم الفنى والصناعى فى مصر، ولكن بطريقة مختلفة وبمعطيات مختلفة.
أتمنى أن تكون لهذه التساؤلات إجابات واضحة لدى المسئولين، وأن يكون قد تم تداولها فى النقاش حول موعد إطلاق كليات الذكاء الاصطناعى، لأن «الاسم وحده مش كفاية»!