لا تتوقف «السوشيال ميديا» عن الحصول على وقتنا واهتمامنا. هى ديوان العصر، وميدان الفعل، ومؤشر الأهمية، ومن خلالها يمكننا قياس مدى قدرتنا على النفاذ والتأثير فى المجتمع والناس، أو هذا على الأقل ما باتت تتفق عليه القطاعات الغالبة فى الرأى العام.
ولذلك، فقد ظهرت طبقة من المتخصصين الذين يركزون جهودهم على تعليم الأفراد والمؤسسات والكيانات الربحية وغير الربحية والدول كيفية زيادة عدد متابعيهم على وسائط «السوشيال ميديا»، وطرق تعيين مدى التقدم فى هذه المنافسة الشرسة، وصولاً إلى تحقيق الغاية المطلوبة من الجميع: عدد أكبر من المتابعين، وقدر أكبر من التفاعل، ومستوى أكبر من التأثير.
ورغم أننى لا أمتلك حساباً على «فيس بوك»، وأعتقد أن أضرار امتلاك مثل هذا الحساب أكبر من منافعه، فإننى سأتجرأ وأقترح تسع نصائح لزيادة عدد متابعيك على هذه الوسائط، ومضاعفة تأثيرك العمومى، من خلال متابعة دقيقة ودؤوبة لحالة التفاعل عليها.
أولاً: لا تقدم أى آراء مدروسة أو متوازنة. احرص على أن يكون كل ما يصدر عنك «حدياً»، بحيث تقدم أفكاراً وآراء حادة وصادمة بقدر الإمكان. كلما أمعنت فى التطرف، زاد عدد متابعيك، وبقدر ما ستهدف إلى المقاربة الموضوعية الرشيدة، بقدر ما ستفقد متابعين.
ثانياً: فرّط فى خصوصيتك بقدر الإمكان. عهد الخصوصية انتهى كما سبق أن قال مارك زوكربيرج، مؤسس ومدير «فيس بوك». صوّر كل مفردات حياتك، وانتهك أسرار أسرتك، واجعل متابعيك كما لو أنهم يعيشون فى بيتك. كلما كان «البوست» كاشفاً عن جانب غير معلوم فى حياتك الخاصة، اهتم المتفاعلون وأبدوا الإعجاب وضغطوا على علامات المشاركة. إنه استثمار مضمون.. مقابل كل تضحية بسر من أسرارك ستحظى بآلاف المعجبين والمتفاعلين، والعكس طبعاً صحيح، فكلما حرصت على الفصل بين المجالين العام والخاص، تراجع الاهتمام بما تقوله وما تفعله.
ثالثاً: تَعلّم السخرية. اتقنها. لا يحفل المتابعون بالمقاربات الجادة والمناقشات الموضوعية، لكنهم حريصون للغاية على تناقل «البوستات» الساخرة. وسواء كان الأمر يتعلق بالصراع الدائر بين إيران والولايات المتحدة، أو بأزمة تطوير التعليم فى مصر، أو بالمنافسة بين الأهلى والزمالك على قمة الدورى، فاحذر أن تقدم رأياً مدروساً، عليك فقط أن تبحث عن ملمح ساخر، وتقدمه لجمهورك، وعندها سيحتفل بما قلت، وسيبدى الإعجاب على الفور.
رابعاً: استخدم الألفاظ النابية. لا تتورع عن استخدام الألفاظ القبيحة التى يتداولها العامة فى الحارات المأفونة. وسواء كنت رجلاً أو امرأة أو فتاة فى التاسعة عشرة من عمرها، عليك أن تعلم جيداً أن استخدام اللغة الراقية النظيفة، سيخصم من تأثيرك ونفاذك. اختر أبشع الألفاظ وأكثرها سوقية وابتذالاً، واحرص على تكرارها مرات ومرات، وسترى العائد منهمراً ومتدفقاً. بعض البارعين لا يكتفى باستخدام تلك الألفاظ القبيحة فى «بوستاته»، لكنه يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فيتخير لفظاً نابياً ليكون عنوان حسابه. بمراجعة فاحصة ستدرك وجود هذا الرابط: الإفراط فى البذاءة أسهل طريقة لاجتذاب متابعين.
خامساً: التسلق على أكتاف المشاهير. تحيّن الفرصة واقتنصها فوراً. راقب حسابات المشاهير، سواء كانوا فنانين أو لاعبى كرة قدم أو سياسيين أو رجال مال وأعمال. وعندما «يتوّت» أحدهم، أو يبث «بوستاً» على أحد هذه الحسابات، ابدأ سجالاً معه. لا يهم ما إذا كان هذا المشهور سيحفل بالرد عليك أم لا، لكن المهم أن تشتبك مع ما قاله، وأن تحافظ على ما سبق أن أشرنا إليه من ضرورة استخدام الألفاظ النابية، والسخرية، والمقاربة الحادة. لا تكن موضوعياً، ولا تستهدف نقاشاً جاداً، فقط كن حريصاً على أن تلفت انتباهه وانتباه متابعيه، وهو أمر لن يحدث إلا عندما يكون ما تقوله غارقاً فى البذاءة أو الحدة أو مصطنعاً للصدام.
سادساً: الطعن والتجريح. سيقول أحد المتفاعلين إن حقوق المرأة فى مصر مسلوبة، فاتهمه بالشذوذ، وسيطالب آخر بتحسين حالة الحريات فى البلد، وهنا سيكون لزاماً عليك أن تذكّره بأنه كان «يمسح حذاء حسنى مبارك»، وسيقول مثقف وسياسى إن الجدوى الاقتصادية لأحد المشروعات القومية محل شك، والرد عليه يجب أن يكون اتهاماً له بالعمالة وإدمان التمويل. إذا انتقدت ناشطة حقوقية الطريقة التى تم التعامل بها معها فى إحدى المصالح الحكومية، فليس عليك سوى أن تتهمها بالعهر وممارسة الدعارة.
سابعاً: التلاعب بالعواطف الدينية. تابعت حساب أحد «الدعاة الجدد»، ووجدت أنه حساب مليونى. بعض تغريداته لا تخرج عن ذكر آية قرآنية أو حديث شريف. والبعض الآخر ليس سوى تهنئة بالعيد، أو رمضان، أو يوم الجمعة. أحياناً يقدم دعاء منقولاً عن أحد الصالحين، وأحياناً أخرى يحاول أن يطور حكمته الخاصة، أو يكتفى بالقول: «صلوا على المصطفى»، ورغم ذلك، فإن أى عبارة من هذه العبارات ستحظى بآلاف من علامات الإعجاب والردود.
ثامناً: تلاعب بعواطف الفقراء. بصرف النظر عن قدرتك المالية المعروفة لمتابعيك، وحتى لو كنت مليونيراً أو رجل أعمال ثرياً تعيش على النيل وتمتلك سيارات فارهة وتقضى عطلاتك فى أوروبا، فلا تتورع عن استهوال «فاتورة الكهرباء»، والبكاء على سعر تذكرة المترو، وانتقاد إعلانات المنتجعات الفاخرة، ومداعبة عواطف البسطاء والفقراء. طوِّر خطاباً ماركسياً، والعب دور الحزين الباكى على الفقراء، وستجد النتائج مبهرة.
تاسعاً: اقتل الموضوعية. لا تنظر إلى أمر إلا من زاوية واحدة. لا تبحث فى الظروف والمسببات. لا تذكر مناقب عدو، ولا تنتقد حبيباً. لا تقف فى موضع الحياد.
احرص على أن تكون معارضتك سافرة ومطلقة، وعلى أن يكون تأييدك حاداً ولا نهائياً. لا توجد منطقة وسطى عند هؤلاء الذين يبتغون رواجاً على «السوشيال ميديا». إذا كنت معارضاً للسلطة القائمة، فلا ترَ سداداً فى موقف لها، ولا رشداً فى منطق تعتقده، ولا صحيحاً فى قرار تتخذه، ولا صواباً فى سياسة تنتهجها.
وإذا كنت مؤيداً للسلطة، فهى لا ترتكب أخطاء، ولا يصدر عنها سوى الخير كله والنور كله ولا يفارقها الصواب. اختر من القرارات والسياسات ما ترى أنه جيد وفعال، واحرص على مدحه وإبرازه، وعندما تجد مناوئاً، فلا تتوقف لحظة عن استهدافه وتجريحه.