نجوم وصناع الدراما: رائد «الأدب التليفزيونى».. وأعماله غاصت فى مشاكل المجتمع واستشرفت المستقبل
أسامة أنور عكاشة
فى ذكرى رحيل «الأب الروحى» للدراما، فتح عدد كبير من نجوم الدراما خزانة ذكرياتهم معه، كيف رأوه وكيف رآهم، وكيف كان الجميع يرى الدراما، وكيف كان يرى الجمهور كل ذلك، قصص ومواقف لا تنسى، وكواليس لأشهر الأعمال التى ملأت الشاشة دون منافس على مدى سنوات، تجمعها «الوطن» فى ملف استثنائى إهداء لروح «أسامة أنور عكاشة».
«الفن ديكتاتور لا يقبل شريكاً» هكذا كان يتحدث عن أعماله الفنية التى قدمها خلال مشواره الفنى، فعلى الرغم من مرور 9 سنوات على رحيله، فإن الدراما باتت تظهر على الشاشة بصورة غير مكتملة بعدما فقد الفنانون أعمال الكاتب الكبير، التى أثرت فى أجيال السبعينات والثمانينات والتسعينات، لا سيما أن رصيده الدرامى أكبر من المسرحى والسينمائى، وكان دائماً يردد «التليفزيون سرقنى من المسرح والأدب عموماً»، حيث قدم ما يقرب من 50 عملاً درامياً مع كبار نجوم الفن، التى تنوعت ما بين الدراما الاجتماعية والسياسية وغيرهما.
كانت الفنانة سميرة أحمد، التى قدمت مع عكاشة «امرأة من زمن الحب»، «أميرة فى عابدين»، «أحلام فى البوابة»، تتمنى أن تعمل معه فى يوم من الأيام، بعد أن تحققت أمنيتها اكتشفت أن سيناريوهات عكاشة «أهم من كل الروايات التى قرأتها فى حياتى»، بحسب كلامها لـ«الوطن»، مضيفة: «افتقدنا قامة كبيرة، وعماداً أساسياً فى الدراما المصرية، الجمهور لا يزال يتذكرنى بدور «أبلة وفية» فى مسلسل «امرأة من زمن الحب»، كنت دوماً أتمنى العمل معه، والله سبحانه وتعالى استجاب لى، ولقبنى الجمهور بالفنانة المحترمة منذ قدمت معه 3 أعمال درامية».
سميرة أحمد: سيناريوهاته كانت أهم من الروايات التى قرأتها فى حياتى.. وحواره غير قابل للاختصار
وعن كواليس العمل بينهما تتذكر: «أثناء تصوير مسلسل «امرأة من زمن الحب» وجدت أن هناك سيناريو طويلاً، ووجدت صعوبة فى تنفيذه، وطلبت منه أن يقلل كلمات الحوار، وعلى الفور وافق على ذلك، وأنقص من الحوار كلمات بما لا يفقد معناه، إلا أننى أثناء تصوير الدور وجدت أن المناسب هو ما كتبه فى بداية الأمر، وصورنا المشهد بالسيناريو الطويل، فكلمته كان لها معنى وذات شأن بين مؤلفى جيله».
قد يدرك الفنان عظمة كاتب السيناريو فى عمل ما، لكن مخرج العمل هو الذى يضع يده على جميع مواطن إبداع الكاتب فى رسم الشخصيات، فهما الوحيدان اللذان يجوبان كل أروقة الشخصيات فى العمل، ويمهدان الطرق الفاصلة بين الأحداث التى تحمل المفارقات التى يستمتع من خلالها الجمهور، لذا كانت نظرة المخرج محمد فاضل لـ«عكاشة» مختلفة عن الفنانين، حيث طلب منه التعاون معاً بمجرد أن تابع أعماله الصغيرة، التى عكست براعة لا يمكن تجاهلها، بحسب «فاضل»، وكان أول عمل جمعهما هو مسلسل «وقال البحر»، الذى عرض عام 1982، المأخوذ عن رائعة «اللؤلؤة» للكاتب الأمريكى جون ستاينبيك، التى اقترحها عليه، وبالفعل لم يمانع «عكاشة»، واستطاع أن يقتبس من القصة أول عمل درامى ملحمى فى الدراما المصرية.
محمد فاضل: لم أغير له نصاً.. وعملنا مع بعض أول دراما ملحمية فى "وقال البحر"
«استطاع عكاشة خلق ما يسمى بـ«الأدب التليفزيونى» فى مصر، وأنه رائد فى هذا المجال»، بحسب «فاضل»، الذى أضاف: «نقل عكاشة الموضوعات الراقية التى يتناولها الأدب إلى الشاشة، كما أنه استطاع أن يجسد الشخصية الشعبية بشكل بعيد عن التدنى، فلم تتفوه الشخصيات الشعبية فى كتاباته بألفاظ نابية، وكانت أصحاب رسالة، وهذا لا يوجد فى الوقت الحالى»، وأشار «فاضل» إلى أنه لم يغير نصاً لـ«عكاشة» على مدار الفترة التى تعاون فيها معه، «ولا حرف واحد» على حد تعبيره، فكلاهما كان يجيد فن النقاش ويصلان إلى ما يضيف للعمل: «إحنا الاتنين كنا مؤمنين إن فيه حقوق لازم تنسب لأصحابها، ما ينفعش أمد إيدى فى نص هو كاتبه ولا هو يتدخل فى شغلى كمخرج».
ويتذكر المخرج موقفاً يجمعه بالكاتب ما زال يحتفظ به فى ذاكرته حتى وقتنا هذا، وهو أنه خلال الإعداد لمسلسل «أميرة فى عابدين» كانت هناك محاولة لفرض ممثلين بعينهم رغم رفض «فاضل» لذلك، ورغم الضغوط من كافة الأطراف، لم يشعر حينها بضغط من «عكاشة» رغم توقف العمل لمدة عام، حتى تدخل المنتج بشكل ودى لحل الأزمة بين جميع الأطراف، وأضاف «فاضل» أن هناك الكثير من الأعمال التى لا ينساها مع الراحل «عكاشة»، ومنها «أبوالعلا البشرى» و«عصفور النار» و«أنا وأنت وبابا فى المشمش»، إضافة لمسلسل «الراية البيضا» عام 1988، الذى استند فيه «عكاشة» إلى قصة حقيقية جسدها فى «فضة المعداوى» والسفير المتقاعد مفيد أبوالغار.
دلال عبدالعزيز: لا يزال يعيش بيننا بأعماله الفنية.. وكان ينقل الواقع بصورة لم تعد موجودة
يفتقد «فاضل» «عكاشة»، كما أنه يرى أن الدراما حالياً تفتقده، «فالفن الأدبى دخل مستنقع الانهيار ولا بد من أن ينقذه أحد، وأنه لو كان حياً يرزق فى الوقت الحالى لكان له رأى آخر فيما يكتب ويعرض»، وأضاف المخرج التليفزيونى أن أى عمل ناجح «يتوقف على شكل ونوع العلاقة بين المخرج والمؤلف، والأعمال التى تعاونا فيها كانت من أنجح الأعمال الدرامية، ولا بد أن يختار المخرج مؤلفه، والعكس، وهنا يمكننا أن نقول إننى اخترت مؤلفى أسامة أنور عكاشة، لأنه حالة فريدة حصلت على فرصة كاملة للإبداع».
وتقول الفنانة دلال عبدالعزيز إن مسلسل «أبواب المدينة» من أهم الأعمال التى قدمتها مع الراحل، الذى على الرغم من رحيله فإنه لا يزال يعيش وسطنا بأعماله الفنية وتاريخه الكبير، فأهم ما كان يميز أعماله أنها كانت تمس الواقع وتنقله بصورة ملحوظة، وهذا ما نفتقده فى الوقت الحالى، لأنه كان يركز فى التفاصيل الصغيرة من الكتابة، ولم يكل أو يتعب فى تقديم دراما اجتماعية، وكان دائماً يحرص ضمن أعماله أن يلقى الضوء على القضايا السياسية، على اعتبار أن المسلسلات اجتماعية يتخللها بعض الأحداث السياسية.
نشوى مصطفى: من أكابر صناع الدراما فى الوطن العربى.. وحتى الآن لم يملأ مكانه أحد
الفنان عزت العلايلى أيضاً جمعه بـ«عكاشة» عملان دراميان هما «وقال البحر» و«بوابة المتولى»، والذى عبر عن افتقاده الشديد للراحل، «منذ وفاته وأشعر كأن الدراما فقدت جزءاً مهماً من محتواها الفنى، فهو فنان كان يعيش مع الشارع المصرى سياسياً واجتماعياً، ويعرف أبعاد المجتمع المصرى، وكانت أعماله بمثابة تنبؤ لما حدث خلال الـ10 سنوات الماضية»، وعن كواليس الأعمال التى جمعت بينهما قال «كنا نجلس على السيناريو قبل بداية تصوير العمل، وكانت ملحوظاته فى محلها أثناء الإعداد للعمل، وعلى الرغم من رحيله إلا أنه سيظل موجوداً بأعماله».
وتحدث عنه الفنان رشوان توفيق قائلاً «أعظم الأعمال التى مثلتها فى حياتى كانت مع الكاتب أسامة أنور عكاشة، فهو كان شخصية جادة لا يتنازل عن قيمه ومبادئه فى أعماله التى يقدمها مهما مرت السنوات، فكلماته لا يمكن تكرارها مرة أخرى فى وقتنا الحالى، ومن أبرز ما قدمت معه مسرحية «الناس اللى فى التالت» مع الفنانة سميحة أيوب وفاروق الفيشاوى، التى استمر عرضها لمدة 3 شهور، وفى كل ليلة كان المسرح يمتلئ فيها على آخره، ولا يوجد مكان لقدم واحدة». وتابع حديثه لـ«الوطن»، من أكثر الأشياء التى كانت تميز «عكاشة» أنه كان يعيش الصراع الذى يكتبه داخل الدراما بذاته، «فلقد تحدث معى أنه يدخل فى حالة مزاجية خاصة بعد انتهائه من كتابة مشاهد بها صراع درامى شديد، حيث تزداد أنفاسه بصورة ملحوظة، وبمجرد الانتهاء من كتابة المشهد يظل فى تلك الحالة لفترة حتى يستطيع أن يخرج ذاته من الأمر».
وقالت الفنانة لوسى إن «عكاشة» كان مثقفاً وذكياً جداً وطيب القلب وذا شخصية قوية، ليس ديكتاتوراً بل يمكنك مناقشته، «تعاملت معه فى «ليالى الحلمية» و«أرابيسك» و«زيزينيا» و«النوة» وفيلم «الطعم والصنارة»، وكان مؤمناً بموهبتى جداً فى «ليالى الحلمية»، بحثوا كثيراً عن «حمدية» ولم يجدوا، وكان «عكاشة» على وشك أن يحذف الشخصية من المسلسل، ورشحنى وقتها يحيى الفخرانى، وعند قيامى بالبروفات قال لى أستاذ أسامة «يخرب بيتك، انت حمدية»، وعندما رشحنى لـ«أرابيسك» كان مقتنعاً بى جداً رغم اعتراض المخرج جمال عبدالحميد فى البداية»، وتتابع «لوسى»: «كنت أثق فيه ثقة عمياء، كان يحادثنى فى الهاتف ويقول «انت معانا فى المسلسل»، أوافق دون قراءة السيناريو، وشاركت فى 11 عملاً معه، وأصبحت أفهمه من نظرة عينيه، وكان دائماً يقول «لوسى بتاخد حوارى وترش عليه سكر»، وعندما سمعت خبر وفاته دخلت المستشفى من الصدمة».
أما الفنانة فردوس عبدالحميد فتذكر لـ«الوطن» رحلتها مع «عكاشة» قائلة «عملت معه فى عدد من الأعمال الناجحة، «المشربية»، «وقال البحر»، «عصفور النار»، «أنا وأنت وبابا فى المشمش» و«النوة» طبعاً كلها أعمال عظيمة جداً، وكل عام تحل فيه ذكرى رحيله أشعر بالحزن الشديد، لقد ترك فراغاً كبيراً فى الدراما المصرية، وكانت له دراما خاصة ليس لها شبيه فى الأدب الدرامى على مدى تاريخه، كان يناقش قضايا عديدة فى المجتمع لأنه كان مثقفاً جداً، وواعياً بكل ما يحدث لوطنه، وكان يترجم هذا من خلال أعماله، وأتمنى من جيل المؤلفين الجدد التأمل فى أعمال عكاشة لأنها ليست للتسلية فقط بل كانت تحاكى الواقع وتلقى الضوء على مشاكل كبيرة»، وتضيف «عبدالحميد»: «مثلاً مسلسل «وقال البحر» يتناول قرية صغيرة بها صيادون يعتقدون بوجود كنز فى باطن البحر، وكل سنة ينزل شاب يبحث عن الكنز ويموت، ويتضح أن من يقتل الشباب أشخاص غرباء، وكان يقصد «عكاشة» بهذا العمل المنطقة العربية، والاستعمار الذى يحاول أن يستهدف ثروتها الموجودة فيها، كما تحدث عن التراث والمبانى العظيمة، مثل القصور والفيلل، كما فى مسلسل «الراية البيضا» تحدث عن القصر التاريخى الذى صورنا فيه، وللأسف بعد 12 عاماً من تصوير المسلسل تم هدم هذه الفيلا وبناء عمارة مكانها، «عكاشة» كان يتناول قيماً إبداعية فى حياتنا وكان يحذر من اندثارها نتيجة الإرهاب، ولم يقصد الإرهاب الدينى فقط ولكن يقصد الإرهاب ضد الحضارة».
وقالت سميرة عبدالعزيز إن أعمال «عكاشة» كانت تغوص بواقعية فى المجتمع المصرى، الصدق والأمانة كانا صفتين رئيسيتين فى أعماله الناجحة، لو تحدثنا عن «ضمير أبلة حكمت» لوجدنا أنه مسلسل عالج مشكلة مهمة، وهى التعليم، وألقى الضوء على المدرس و«الناظرة» التى لديها رغبة فى الإصلاح، كما عرضت نماذج من الطالبات سيئات الخلق، وكيف يجب تقويمهن، وبالفعل مديرة المدرسة قالت لنا إنها غيرت سياستها بعد هذا المسلسل، وهذا بالفعل دور الدراما فى حياتنا، وبالنسبة لـ«عكاشة» الإنسان فهو كان صديقاً مقرباً لزوجى محفوظ عبدالرحمن، وكنا نسافر معاً إلى الإسكندرية، ونقضى سهرات على البحر، فهو إنسان نقى محب جداً لفنه، كل اهتماماته هى الكتابة، كان يصادق كل الناس وجميع الطبقات ويسمع حكاياتهم، ويترجمها إلى أعمال رائعة، فهو شديد الحب للناس والمجتمع.
وعبرت الفنانة نشوى مصطفى عن افتقادها «عكاشة»، موضحة أنه من أكابر صناع الدراما فى الوطن العربى كله، وحتى الآن لم يملأ مكانه أحد، رغم أن «مصر ولادة» على حد تعبيرها، مضيفة: «حالياً عندما أشاهد مسلسلات شعبية، وأنا من شبرا، أجد أن هذه الأعمال لا تمثلنا، وأيضاً حين يتناول العمل الطبقة الراقية لا أجده يمثلها، لا أعتقد أن كل المواضيع التى تخص هذه الطبقات ضرب ورصاص»، ولفتت «مصطفى» إلى أن «عكاشة الوحيد الذى استطاع أن يصور النفس البشرية بشكل جيد فى الدراما، عملت مع عكاشة «ضمير أبلة حكمت»، و«ليالى الحلمية» الجزأين الرابع والخامس، و«زيزينيا»، و«عفاريت السيالة»، كان شخصاً فى منتهى الرقى والبساطة والاحتواء، كما عملت معه مسرحية «البحر بيضحك ليه»، وعندما رآنى فى ضمير أبلة حكمت قال لى: ملامحك شديدة المصرية».