منذ عدة أعوام صدر قرار من وزارة الصحة بتفعيل هيئة التدريب الإلزامى للأطباء التابعة لمجلس الوزراء على غرار مثيلاتها فى معظم دول العالم.. القرار كان جيداً للغاية.. ويضع أساساً للتدريب والتعليم الطبى لكل أطباء الوزارة على أسس سليمة تجعلهم ليسوا بعيدين عن كل ما هو جديد فى هذا العالم المترامى الأطراف.. وتجعل تطوير الأداء الفنى للأطباء إحدى أهم وسائل التطوير فى المنظومة الصحية كلها.. بل إن فكرة «تجديد ترخيص مزاولة المهنة» التى تبنتها الهيئة هى أمر طبيعى ويتم العمل به فى كل دول العالم.. فلا يوجد طبيب فى العالم لا يتم تجديد ترخيص مزاولة المهنة الخاص به منذ تخرجه.. بل إن التجديد يتم سنوياً فى بعض الدول وليس كل خمس سنوات كما تنوى الهيئة الناشئة.. كل ما سبق جميل للغاية لو كانت الهيئة قد قامت بواجبها.. إلا أن ما حدث منذ إنشائها يبعث الشك فى الهدف الأساسى من إنشائها.. ويجعل وجودها عبئاً على النظام الصحى كله بدلاً من أن يكون إيجابياً داعماً له..!
المشكلة أن الهيئة أعلنت أنها بصدد عقد امتحان موحد لإصدار ترخيص المزاولة للطبيب حديث التخرج.. على ألا يتم منحه ترخيصاً لمزاولة المهنة إلا بعد اجتيازه..!! وهو أمر عجيب لا أرى له سبباً.. فما الداعى لإجراء اختبار للطبيب حديث التخرج إلا إذا كان هناك شك فى مستوى التعليم الطبى الذى حصل عليه فى كليات الطب المصرية؟!.. فضلاً عن أن فكرة التعليم الطبى المستمر قد تم إقرارها لتحسين مستوى الطبيب بعد مرور مدة زمنية على تخرجه.. وأن تلزم الأطباء بتحسين مستواهم العلمى باستمرار وليس لقياس كفاءة طبيب تخرج منذ أيام!!
فلأسباب لا يعلمها أحد لا توجد منظومة للتعليم الطبى المستمر فى مصر حتى الآن.. ولا توجد وسيلة لقياس مدى متابعة الطبيب «الممارس للمهنة» لكل ما هو جديد فى الطب كل يوم أسوة بما يتم فى كل دول العالم.. الأمر الذى يجعل أجيالاً كاملة من الأطباء -أصحاب الكفاءات والخبرة غير القليلة بالمناسبة- تسقط تباعاً فى فخ القدم والحلول غير النافعة للكثير من الحالات.. وتجعل ميزان العرض والطلب لدى المرضى ينقلب لصالح أساتذة الجامعات دون غيرهم.. ودون أدنى فرصة لأطباء وزارة الصحة فى الوصول لذات المستوى فى التدريب والتعلم.. وبالتالى فى علاج المرضى..!
كان يمكن للهيئة أن تتبنى مشروعاً لتقييم المؤتمرات والندوات العلمية التى تقام بمعرفة المستشفيات أو الجمعيات أو حتى شركات الأدوية.. واعتمادها على أساس نقاط.. ثم يتم تجديد الترخيص كل عام للطبيب باحتساب حد أدنى من النقاط التى يحصل عليها من حضوره تلك المؤتمرات سنوياً!!
الأمر يشبه ما يحدث فى معظم دول العالم.. ويضمن حداً أدنى للتعليم الطبى المستمر.. دون أن يلقى على كاهل الطبيب أى أعباء إضافية.. ويضمن حداً أدنى لفوضى الفعاليات العلمية التى تقام فى القطاع الصحى بمصر.. كما يضمن دخلاً ليس بالقليل للهيئة أو لوزارة الصحة بأكملها عند اعتماد الفعاليات العلمية التى تقام بواسطة شركات الأدوية.. ويجعل الخدمات التى تقدمها تلك الشركات للأطباء تتحول إلى خدمات علمية حقيقية بدلاً من رحلات الترفيه ولقاءات العشاء وغيرها التى ننادى جميعاً بمقاطعتها!!
أعتقد أن اقتراحاً بهذا الشكل سيضمن تقييماً جيداً للطبيب.. وسيجعل هناك أرضية حقيقية للتعليم الطبى المستمر فى مصر.. فهل من مجيب؟!