حاول أحدهم ذات يوم إقناعى بشراء إحدى السيارات فقال لى إن بها «دستة مميزات» تُحتم علىّ الحصول عليها.. وبعد سرد بعض المميزات المتعلقة بقوة المحرك وسعته ومعدل حرق الوقود وأنظمة الملاحة وغيرها من الفنيات المهمة، نفدت منه الاختيارات، بينما هو يسعى لإكمال دستة المميزات، فبدأ فى آخر ثلث من مشواره أن يعدد لى مزايا من عينة أن بالسيارة مذياعاً وولاعة ومسنداً لوضع اليد اليمنى للسائق عليه!
مثلما حدث معى بالسيارة ألاحظ أنه فى معظم الموضوعات التى تتحدث عن «سبع وصايا لفلان» أو «عشرة أسباب لكذا» أو «مائة معلومة عن كيِت» عادة ما تكون النقاط الأخيرة منها حشواً ولغواً هدفه الوصول إلى الرقم الذى تم وعد القارئ به فى العنوان، ولذلك لا أعرف لماذا لا أقرأ عناوين من العينات السابقة ولكن بأرقام مثل «أربعة عشر» أو «ثلاثة وأربعين» أو «اثنين وتسعين» وهكذا.. ومن الأمور الأخرى الملفتة لنظرى استخدامنا لأرقام كثيرة، لها دلالة معلوماتية، لا نهتم به حين نرددها مثل «العالم الثالث»، و«السلطة الرابعة»، و«الطابور الخامس» وغيرها.
العالم الثالث ببساطة هو مجموعة الدول التى يُطلق عليها الآن «الدول النامية» وهى تلك الدول التى لا تنتمى للعالمين الأول والثانى. و«العالم الأول» هو مجموعة الدول الرأسمالية التى تحالفت مع الولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة (حالياً الدول المتقدمة). أما «العالم الثانى» فهى على النقيض؛ مجموعة الدول المعبرة عن المعسكر الشيوعى (حالياً دول بين الفقر والرخاء).
أما مصطلح «السلطة الرابعة» فتشير إلى وسائل الإعلام بشكل عام، والصحافة بشكل خاص. والسلطات الثلاث الأخرى قُصد بها فى البداية التقسيم الطبقى الثلاثى للمجتمع، ولكنه الآن يُشير إلى السلطات الثلاث فى أنظمة الحكم: التنفيذية والتشريعية والقضائية.
رقم «أربعة» آخر له شهرة كبيرة وهو «رابع المستحيلات»، ونعبر به عن الأمور غير ممكنة الحدوث. أما المستحيلات الثلاثة الأخرى فقد وضعها أجدادنا العرب وهى: العنقاء والغول والخِل الوفى، ووضع الصديق الوفى كأحد المستحيلات هو مثار استغراب، ولكن هذا موضوع آخر.
وما زال الرقم أربعة يشغلنا بمصطلح «حروب الجيل الرابع»، ويُقصد بها الحرب التى طرفاها؛ جيش نظامى لدولة ما مقابل لا دولة أو ميليشيا، أما الأجيال الثلاثة السابقة فهى الجيل الأول ويُقصد به الحرب التقليدية بين دولتين لجيشين نظاميين. والجيل الثانى فهو المعروف بحرب العصابات والتى استخدم فيها أسلحة ثقيلة متطورة كأسلحة الجيوش. وحروب الجيل الثالث هى الحروب الوقائية أو الاستباقية.
أما مصطلح «الطابور الخامس» فيُقصد به الجواسيس، وقد نشأ فى أثناء الحرب الأهلية الإسبانية، حيث كانت أحد جيوش الثوار تحاول غزو مدينة «مدريد»، وكان الجيش يتكون من أربعة طوابير، وقال قائدهم إن لهم طابوراً خامساً من العملاء يساعدهم داخل مدريد. أما مصطلح «الفن السابع» فهو يُطلق على فن السينما، والفنون الستة الأخرى هى بالترتيب: النحت، والرسم، والتمثيل، والموسيقى، والرقص، والشعر.
إذا كان لبعض الأرقام ظهير ثقافى، فهذا أمر يتكرر مع عدد من الألوان أيضاً، لكن هذا موضوع آخر. ألقاكم فى «المقال الثانى»، وهو مصطلح أقصد به ببساطة «المقال التالى».