فى 19 أبريل سنة 1995، قبل أكثر من ست سنوات على حادث 11 سبتمبر 2001، رُوّعت الولايات المتحدة الأمريكية، ورُوّع وتعاطف معها العالم بالانفجار المحزن الفاجع الذى وقع فى مبنى الحكومة الفيدرالية فى أوكلاهوما بالولايات المتحدة، وراح ضحيته فى التو واللحظة (168) شخصاً منهم (19) طفلاً، فضلاً عن نحو أربعمائة جريح ربما لحق بعضهم بالضحايا الذين فارقوا الحياة!
كان الحادث مروعاً فى عدد ضحاياه، وفى طريقة وقوعه وتنفيذه، مثلما كان لافتاً فى موضعه بقلب الولايات المتحدة التى لم يحدث سلفاً شىءٌ يعكر حصانة أمنها الداخلى، فأوكلاهوما المدينة عاصمة ولاية باسمها، تقع فى الجزء الجنوبى الغربى، وتقع عاصمتها شمال النهر الكندى بالقرب من المركز الجغرافى للولاية، وتعد من المراكز الرئيسية لإنتاج الزيت فى الولايات المتحدة، ومركز تجارى وصناعى ضخم، ونقطة توزيع زراعية واسعة، ولا يوجد فى ظروفها الاجتماعية أو الجغرافية أو الاقتصادية أو السياسية ما يفسر هذا التفجير الذى عصف عصفاً بأمان المدينة وبالولايات المتحدة الأمريكية بأسرها!
العجيب أن "تيموثى ماكفاى"، طلب أن ينفذ فيه حكم الإعدام علناً.. متضامناً فى ذلك مع مطالبات المحامين المعارضين لعقوبة الإعدام، واعترض المدعى العام الأمريكى "جون آشكروفت" مبدياً أن تصوير عمليات الإعدام ما هو إلاّ تمجيد للقتلة بسبب ارتكابهم جرائم دنيئة! بينما صرح "ماكفاى" بأنه ليس خائفاً من الموت ولا مما سيأتى بعده
التحفز المستفز
وفى حومة آثار الحادث المروّع، وحُمَّى البحث والتفتيش عن الفاعلين، كان الغريب اللافت أن توجه كل الاتهامات فى الساعات الأولى وقبل أى تحقّق أو تثبت، إلى المسلمين والعرب، وانجرفت قنوات الإعلام والميديا الأمريكية ومن ورائها الرأى العام إلى تبنى هذه الاتهامات المطلقة على عواهنها بلا أى سند، قبل أن تسفر التحقيقات وتكشف عن أن المجرم الفاعل أمريكى قح، ولا علاقة أو صلة له من أى نوع بأى عربى أو مسلم أو شرق أوسطى!
ما حدث مع الدكتور إدوارد السعيد
روى المرحوم الدكتور جلال أمين فى مقال له بالهلال الشهرى (يونيو 1995)، أنه فى تلك الساعات التى انطلقت فيها تلك الاتهامات غير المتبصرة، اختار أحد مراسلى الصحف الأمريكية الكاتب الشهير الفلسطينى الأصل: الدكتور إدوارد سعيد، الحامل للجنسية الأمريكية، والمقيم بنيويورك، والأستاذ بأكثر من جامعة أمريكية اختاره ليوجه إليه سؤالاً خبيثاً مستفزّاً عن «رد فعله» لحادث الانفجار المروّع، ومردّ الخبث والاستفزاز أنه خصّ المفكر الكبير بهذا السؤال الأعجف الغريب، لمجرد أنه من أصل عربى، وكأن المنتظر من العربى ألا يأسى ولا يغضب ولا يحزن لهذا الحادث المؤسف الذى لا يختلف إنسان على شجبه وإدانته والأسى له!
كان من ذكاء وفطنة الدكتور إدوارد سعيد أنه لم يجب، ولم يعلق على هذه الصفاقة، فأحياناً يكون الصمت أبلغ من أى كلام.. وأى إجابة تقال فى هذه الحالة تعطى المراسل الصحفى الأمريكى حقاً فى توجيهه هذا السؤال المستفز!
لماذا هذا التحفز؟!
والسؤال المهم، لماذا هذا التحفز لتوجيه الاتهامات العشوائية للمسلمين والعرب، ولماذا تسارع الأجهزة الأمنية والإعلامية الأمريكية وقبل التحقيق والتحقق لنسبة مثل هذه الاتهامات المندفعة إليهم؟! وما سر سوء الظن وهذا العداء القديم، بينما لم يرفع المسلمون والعرب سلاحاً أو يشنوا حرباً على أمريكا والأمريكيين.. والتاريخ القديم والحديث يروى أن المنطقة العربية استقبلت العديد من الهجمات والحروب.. الصليبية وغيرها.. التى أتتها من الغرب، فلماذا إذن هذا «التحفز» لتوجيه الاتهامات العشوائية إلى المسلمين والعرب؟!
هل للتوجس الأمريكى من الثارات؟
هل هذا التحفز للتوجس الأمريكى من الثارات؟! ولكن للولايات المتحدة ثارات كثيرة فى اليابان التى أبادت الملايين من مواطنيها بالقنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على هيروشيما ونجازاكى فى 6 و9 أغسطس 1945، وفى ألمانيا التى ناصبتها العداء وتحالفت على تقسيمها وحالت بين الألمانى وبنى وطنه بسور برلين العظيم، وفى فيتنام التى شنت أمريكا عليها حرباً لسنوات أتت فيها على الأخضر واليابس، وآذت ضمير الأمريكيين أنفسهم حتى رفض بعضهم أداء الخدمة العسكرية احتجاجاً على هذه الحرب وتجنباً للاشتراك فيها، وفى كوريا التى خاضت فيها حرباً ضروساً فى أوائل الخمسينات مع الجنوب ضد الشمال! هذه كلها أوجدت ثارات، زرعت وبثت عداءً لأمريكا فى هذه البلاد البعيدة عن العرب والمسلمين! فلماذا إذن المسارعة فى كل مناسبة، وبدون مناسبة، إلى مهاجمة الإسلام والعرب والمسلمين، ورميهم بكل نقيصة؟! هل الانحياز الأمريكى لإسرائيل ومشروعها الصهيونى يبرر هذا التجديف ومناصبة المسلمين والعرب العداء؟!
ما كشفته التحقيقات الأمريكية
لقد كشفت التحقيقات أن الجانى القاتل الأمريكى الذى لم يعدم إلاّ فى 14/5/2001، ويدعى تيموثى ماكفاى، من اللاّ أدريين الذين لا ينكرون ولا يثبتون الأمور الغيبية، وأن الدافع وراء هذا التفجير كان بسبب أن التهديد الأكبر للحرية بالولايات المتحدة ناشئ عن الحكومة الأمريكية ذاتها، وأن موظفيها العموميين ينتهكون الحرية بدلاً من حمايتها، وأن يوم 19 أبريل الذى عصف فيه التفجير بأرواح 168 أمريكياً منهم 19 طفلاً كان يوافق الذكرى الثانية للهجوم الذى شن ضد مجمع طائفة «ديفيدون» (Branch Davidian)! حيث أورى «ماكفاى» أن الدافع وراء عملية التفجير، كان الغضب المتراكم على الحكومة الأمريكية انتقاماً من هذا الهجوم الذى شنته عام 1993 على الطائفة الداوودية فى مدينة «واكو» بولاية تكساس!
العجيب أن «تيموثى ماكفاى»، طلب أن ينفذ فيه حكم الإعدام علناً.. متضامناً فى ذلك مع مطالبات المحامين المعارضين لعقوبة الإعدام، واعترض المدعى العام الأمريكى «جون آشكروفت» مبدياً أن تصوير عمليات الإعدام ما هو إلاّ تمجيد للقتلة بسبب ارتكابهم جرائم دنيئة! بينما صرح «ماكفاى» بأنه ليس خائفاً من الموت ولا مما سيأتى بعده، وأضاف متهكماً أنه إذا كان مثواه الجحيم فسوف يجد هناك رفاقاً كثيرين!!
على أنه منذ الحادث فى 19 أبريل 1995وما لازمه من اتهام ظالم للمسلمين والعرب، وعبر التحقيقات وما كشفت عنه وحتى تنفيذ حكم الإعدام فى القاتل الأمريكى يوم 14 مايو 2001 لم يعن أحد، وللآن، بالاعتذار للمسلمين والعرب عن الاتهام الجائر الذى كان قد أشهر فى وجوههم على غير أساس ولا سند ولا منطق!!!
إن الإرهاب لا دين ولا وطن له، والجنوح قَدَرٌ على كل الأجناس والديانات، والإرهاب الحالى لا علاقة له بالإسلام والمسلمين، والفرق الإرهابية متعددة الجنسيات، فلماذا إذن التحفز والموقف العدائى من المسلمين عامة، ومن العرب عامة؟!
ما يجرى الآن ما هو إلاَّ حلقة من سلسلة تقض مضاجع الإنسانية!