«الترفيه».. من صناعة البسمة إلى تجارة المليارات
«ديزنى لاند» تعد أشهر مدن الترفيه فى العالم
الرفاهية والسعادة والترفيه، أهداف ترِد فى خطط الحكومات حول العالم، بل تنص إحدى مواد الدستور الأمريكى على حق المواطن بـ«السعى لتحقيق السعادة»، حيث شهدت صناعة الترفيه تحولات كبيرة على مستوى العالم خلال العقود القليلة الماضية، فلم تعد مجرد أداة رافدة فى القطاع السياحى، بل باتت حرفة تجذب المستثمرين من كل دول العالم، نظراً لعائداتها المالية المرتفعة.
وأصبحت تلك الصناعة تسهم بشكل لافت فى الناتج المحلى الإجمالى للعديد من الدول، إلى جانب دورها فى خلق العديد من فرص العمل، وسط توقعات بأن تشهد السنوات المقبلة مزيداً من الاستثمارات فى هذا القطاع.
واقتصر مفهوم الترفيه فى بدايته على المناسبات الخاصة كالأعياد والإجازات، إلا أنه مع تطور الأوضاع وتحسن الحالة الاقتصادية، بدأ الناس يعرفونه بشكل مستمر طوال العام، وكانت «الملاهى» أول ما انتشر من أنواع الترفيه، حيث ظهرت مُدن الألعاب بالمناطق الكبرى، وكانت فى بداياتها مخصصة لفئة الشباب وصغار السن فقط. وافتتحت أقدم مدينة ملاهى فى العالم عام 1583 بالدنمارك، فيما تأسست فى مصر عام 1910 بحى مصر الجديدة بالقاهرة، حيث أطلق عليها مسمى «وادى القمر» والتى ترجع نشأتها إلى المليونير البلجيكى إدوارد إمبان.
"جيرو لاند": الترفيه من القطاعات الواعدة ونستطيع المنافسة عالمياً.. و"الغرف السياحية": المدن الترفيهية تلعب دوراً ترويجياً مهماً
وشكلت «وادى القمر» بافتتاحها نقلة نوعية فى صناعة الترفيه فى مصر، إذ كانت ولعدة سنين مصدر جذب سياحى لسكان القاهرة وزوارها، خاصةً فى المناسبات كالأعياد والإجازات الصيفية والربيع، حيث كانت تمتلئ بالزوار من مختلف مناطق القاهرة بجميع الفئات العمرية، ولسوء الحظ تم هدمها فى بداية الخمسينات من القرن الماضى، وحل مكانها محطة بنزين وسينما روكسى.
وشهدت صناعة الملاهى نمواً قوياً على مدى السنوات الخمس حتى عام 2019، حيث بلغ مجموع إيرادات مدن الملاهى حول العالم سنة 2017 حوالى 45.2 مليار دولار، استحوذت مدن الملاهى التابعة لـ«والت ديزنى» على إيرادات بلغت حوالى 17 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل حجم سوق الملاهى العالمية إلى 70.83 مليار دولار بحلول عام 2025، بمعدل نمو سنوى 5.8%. ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى زيادة أعداد الزوار الدوليين والمحليين وزيادة الإنفاق الاستهلاكى، كنتيجة لزيادة وتطور عوامل الجذب الترفيهية التى تقدمها هذه المدن للمستهلكين. ونمت مدن الملاهى فى الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس الماضية بنسبة 4.2٪ لتصل قيمة العائد منها إلى 20 مليار دولار فى عام 2019، كما ارتفع عدد الشركات بنسبة 2.7٪ وزاد عدد الموظفين بنسبة 2.5٪.
"مطروح" على موعد مع ظهور مدينة ترفيهية عالمية على مساحة 5080 فداناً باستثمار أمريكى سعودى 3.3 مليار دولار
وفى الصين، تعد صناعة الملاهى من القطاعات المزدهرة بالدولة، حيث حققت الصين عائداً تجاوز 40 مليار يوان عام 2016، وتشارك الشركات المحلية والأجنبية لتنشيط هذا القطاع فى ظل ارتفاع الطلب من المستهلكين الصينيين. وعربياً شهدت صناعة الترفيه تطوراً كبيراً خلال السنوات الماضية، حيث تشير الأرقام إلى أن مساهمة سوق الترفيه والتسلية فى الناتج المحلى الإجمالى للدول العربية بلغ نحو 10%، وهى نسبة مرشحة للتصاعد، فى ظل توسع دول الخليج فى هذه الاستثمارات. وأصبحت صناعة الترفيه فى دول الخليج وتحديداً السعودية والإمارات، الأكثر جذباً للاستثمارات المحلية والأجنبية، ومواكبة لمتطلبات المجتمعات المحلية، حيث استحدثت السعودية هيئة مستقلة للترفيه، ومن المتوقع أن يصل حجم الاستثمارات الكلية فى البنية التحتية حتى عام 2030 إلى 18 مليار ريال، ووصول الإنفاق الاستهلاكى على الترفيه إلى 36 ملياراً، فضلاً عن توفير نحو 114 ألف وظيفة مباشرة، و110 آلاف غير مباشرة. واحتلت الإمارات المركز الأول ضمن قائمة الدول الأكثر تميزاً فى صناعة الترفيه والتسلية التى باتت تشكل مقصداً لملايين الزوار من داخل وخارج الدولة. أدت التطورات المذكورة فى مجال صناعة الترفيه إلى تحولها من تلبية أذواق الأفراد فقط، إلى محرك لاقتصاديات الدول، خاصة فى ظل الثورة التكنولوجية الحديثة، القائمة على الذكاء الاصطناعى.
وفيما يخص صناعة الترفيه فى مصر، تمكّنت الدولة من جذب شركات كبرى للاستثمار فى هذا المجال، كان آخرها توقيع مصر عقوداً استثمارية خلال العام الماضى، لإقامة مدينة ترفيهية متكاملة لشركة «إنترتنمنت وورد» للمدن الترفيهية باستثمار أمريكى سعودى بمرسى مطروح على مساحة 5080 فداناً وتكلفة استثمارية 3.3 مليار دولار، كأكبر مدينة ترفيهية بمصر على غرار «ديزنى لاند» العالمية.
كما قامت شركة العثيم للسياحة والترفيه، وهى شركة متخصصة فى مجال إدارة وتخطيط وتنفيذ مشروعات الأنشطة الترفيهية الجاذبة والمبتكرة، بالتوسع فى استثماراتها فى السوق المصرية، حيث بدأت بافتتاح مدينة «فابى لاند» فى داندى ميجا مول عام 2015. وتمتلك مصر مناخاً استثمارياً جاذباً يوفر كافة المقومات الاستثمارية من تسهيلات وبنية تحتية قوية ومتطورة وكثافة سكانية عالية، فضلاً عن انخفاض تكلفة عناصر الإنتاج والتشغيل، والتحسن المتوقع فى متوسط دخل المصريين خلال الفترة القادمة. من جانبه، قال تامر محمود، المدير العام لمدينة «جيرولاند» الترفيهية، إن الاستثمار فى المدن الترفيهية فى الوقت الحالى أصبح أمراً سهلاً، خاصة بعد ظهور الكثير من شركات تصنيع الألعاب فى مصر، ما يعمل على خفض تكاليف إنشاء المدن. وأشار إلى أن الاستثمار فى المدن الترفيهية يحقق معدلات ربحية مرتفعة. مضيفاً أن «جيرو لاند» قادرة على منافسة المدن الترفيهية العالمية، مشيراً إلى أن عدد زوار مدينته يصل إلى 140 ألف زائر سنوياً من بينهم 30% عرباً وأفارقة. وأعلن أن شركته تستهدف إنشاء مدينة ترفيهية متكاملة تضم ملاهى و«مول» ونادياً ترفيهياً بداية العام المقبل، لافتاً إلى أن إدارة الشركة تفاضل حالياً بين إقامة المشروع فى العاصمة الإدارية، أو فى إحدى المدن الجديدة. من جانبه، قال على غنيم، عضو مجلس إدارة الاتحاد المصرى للغرف السياحية، إن المدن الترفيهية تمثل أحد العوامل المهمة لارتفاع معدلات نمو السياحة فى مصر، مشيراً إلى أن مفهوم السياحة لم يعد مقصوراً على الجانب الثقافى فقط، وإنما توسع ليشمل الجانب الترفيهى أيضاً. وذكر «غنيم» أن تنشيط السياحة فى مصر يتطلب نشر المدن الترفيهية فى كافة المناطق السياحية، كما يحدث فى العديد من دول العالم، قائلاً: «مدينة ملاهى بورتا بينتورا العالمية فى إسبانيا تعد من أهم المقاصد السياحية فى العالم، التى يبلغ عدد زائريها 100 ألف سائح يومياً».